تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد برز في هذه المرحلة مشيخة جليلة من العلماء الذين بذلوا جهداً واسعاً فيما أسند إليهم، ولم يحظوا بمعشار ما يحظى به أدعياء التحقيق في هذه الأيام، ومنهم: الشيخ أحمد الزين، والشيخ عبد الرحيم محمود، والشاعر أحمد نسيم، والأستاذ محمد عبد الجواد الأصمعي، والشيخ أحمد عبد العليم البردوني، والعالم الجزائري

إبراهيم اطفيّش. ومن الطريف أن الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر كان قد عمل مصححاً في هذه الدار في مقتبل حياته العلمية.

وقد مثلت هذه المرحلة مرحلة نضج وكمال من حيث استكمال الأسباب العلمية، واصطناع الوسائل الفنية المعينة على إخراج التراث إخراجاً دقيقاً يقوم على جمع نسخ الكتاب المخطوطة والمفاضلة بينها، ثم اتخاذ إحدى النسخ أُمّاً أو أصلاً، وإثبات فروق النسخ الأخرى، وما يتبع ذلك من إضاءة النص ببعض التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتاب، وما يسبق ذلك كله من

التقديم للكتاب، وبيان مكانته في المكتبة العربية، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه تأثراً وتأثيراً، ثم الترجمة لمؤلفه.

المرحلة الرابعة (مرحلة الأفذاذ من الرجال):

وأهم رموزها الشيخ أحمد محمد شاكر، وأخوه (شيخ العربية) محمود محمد شاكر، والأستاذ عبد السلام محمد هارون، والأستاذ السيد أحمد صقر.

وقد كان ظهور (الرسالة) للإمام الشافعي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر سنة

1939م إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من النشر العلمي للتراث المستكمل لكل أسباب التوثيق والتحقيق، وهي مرحلة جديدة فيما يظهر للناس في تلك الأيام، ولكنها موصولة الأسباب والنتائج بما سنّهُ الأوائل وأصّلُوه.

وقد نشر الشيخ رحمه الله الكتاب عن أصلٍ بخط الربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وقد جرى الشيخ في تحقيق (الرسالة) على أعدل المناهج وأقومها من حيث التنبه الشديد لِمَا بين النسخ من فروق، وإضافات النّسّاخ فيما خفي ودقّ، وربط كلام الشافعي رحمه الله في هذا الكتاب بكتبه الأخرى، وتوثيق النقول، وتحرير المسائل، والعناية الفائقة بالضبط، وصنع الفهارس الفنية التي شملت آيات القرآن الكريم، وأبواب الكتاب على ترتيبها، والأعلام، والأماكن، والأشياء من حيوان ونبات ومعدن ونحو ذلك، والمفردات المفسّرة في الكتاب، والفوائد

اللغوية المستنبطة منه، ومواضيع الكتاب ومسائله في الأصول والحديث والفقه على حروف المعجم. ولكن أهم أنواع هذه الفهارس التي نشرها الشيخ الجليل فهرس الفوائد اللغوية لكون الشافعي حجة في اللغة. وكل ما قيل عن الشيخ و (الرسالة) يقال عن أعلام هذه المرحلة: محمود محمد شاكر و (تفسير الطبري) و (طبقات فحول الشعراء) لابن سلام، وعبد السلام هارون وآثار الجاحظ، والسيدأحمد صقر وآثار ابن قتيبة. وغير ذلك من التحقيقات والمؤلفات التي انتصروا فيها

للعربية وأعلوا رايتها.

ومن يطالع مثلاً تعليقات الشيخ محمود شاكر على (طبقات ابن سلام) و (تفسير الطبري) يقف على أشياء معجبة في فهم اللغة والبصر بالشريعة ومعرفةٍ بالتفسير وفقه الحديث وتاريخ الرجال، وكل ما شئت من علوم هذه الأمة وفنونها؛ وكأنه رجل قد نُشرت أمامه العربية كلها فانتقى منها ما طاب له.

هذا المنهج الذي سار عليه الأستاذ محمود شاكر رحمه الله في إخراج كتب التراث وتحقيقها منهج عسير بعيد المنال، تصعب محاكاته؛ لأنه متصل بعقيدةٍ صحيحة وقراءةٍ محيطة وظهور بيّن على التراث، ولكنه على كل حال قد وجّه إلى أعدل المناهج وأقومها في التحقيق والتصحيح.

واليوم تبذل عدد من المؤسسات العلمية المتخصصة جهداً مشكوراً في جمع التراث ونشره عبر وسائل التقنية الحديثة: (الحاسب الآلي) و (شبكات المعلومات). وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على بقية خير في هذه الأمة وعرفانٍ بجهد الأوائل.


المرجع مجلة البيان العدد 137 الصفحة 40.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير