تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الطريقة الثانية: فهي أن يبدأ طالب العلم أو المتفقه بدراسة المسائل الفقهية أصلاً، ليس على وفق مذهب معين، بل يبدأ في الدراسة منذ أول تفقهه عاملًا على البحث عن الترجيح، وهذا قد يكون باعتماد كتب فقهية أو حديثية. ففيما يتعلق بالكتب الفقهية، هناك كتب مما يمكن أن يسمى بالفقه المقارن، بمعنى أن مؤلف هذا الكتاب يذكر القول وما يقابله، ويقارن بين الأقوال ويصل إلى نتيجة، دون أن يصل إلى مذهب معين، وقد لا يلتزم بالمقارنة؛ لكن يعتمد ذكر المسائل على القول الذي يعتقد أنه الراجح مع دليلها. ومن أمثلة هذه الكتب: كتاب فقه السنة لسيد سابق، وهو يصلح أن يعتبر من الفقه المقارن إلى حد، ومن أمثلة الكتب التي تعتمد على ذكر القول الراجح بدليله -القول الراجح لدى المؤلف- كتاب الدرر البهية والدراري المضية للشوكاني، والروضة الندية لصديق حسن خان، وإن كانت لا تستوعب جميع المسائل الفقهية. فقد يبدأ الطالب بقراءة هذه الكتب، أو يبدأ بقراءة كتب حديثية وليست فقهية، من الكتب التي عنيت بشرح أحاديث الأحكام. فإن العلماء منذ القديم عنوا بالتصنيف في أحاديث الأحكام، فصنف فيها -مثلاً- الإمام المجد ابن تيمية -جد شيخ الإسلام- كتاباً سماه المنتقى من أحاديث المصطفى، وصنف الإمام المقدسي كتابعمدة الأحكام وصنف الحافظ ابن حجر كتاب بلوغ المرام. وهناك كتب أخرى غير هذه الكتب، ولكنها قد تكون أقل شهرة منها. وهذه الكتب التي جمعت أحاديث الأحكام، عُني العلماء -أيضاً- بشرحها، ومن أشهر شروح هذه الكتب، ولعله -والله أعلم- أفضل كتاب مطبوع في شرح أحاديث الأحكام، كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للإمام الشوكاني، شرح فيه المنتقى لابن تيمية الجد رحمه الله، وهناك شروح لكتب أخرى، كسبل السلام والبدر التمام شرح بلوغ المرام، ولكتاب عمدة الأحكام عدد من الشروح القديمة والحديثة، من أبسطها وأوضحها: تيسير العلام للشيخ ابن بسام وغيره. أقول: قد يبدأ الطالب بقراءة هذه الشروح قراءة متأنية، ويتيح لنفسه فرصة معرفة الأقوال المتنوعة في المسألة والأدلة لكل فريق، وما رجحه المصنف أو يمكن أن يرجحه هو أو غيره، فهذه طريقة لا تعتمد مذهباً فقهياً لكنها تعتمد على المقارنة والبحث الراجح، وهذه الطريقة -أيضاً- كالأولى، لها إيجابيات ولها سلبيات. أ/ إيجابيات هذه الطريقة: فمن إيجابيات هذه الطريقة: تدريب الطالب على النظر المتوازن، فتعطيه فرصة النظر في الأقوال كلها، والترجيح بينها، نظرة فيها نوع من التوازن، وتقويم أدلة كل فريق. ومن إيجابيتها: أنها تربي في الشباب قدراً -إن صح التعبير- من الاستقلالية وعدم التعصب لشيخ معين، أو كتاب معين، أو مذهب معين، أو قول معين. ومن إيجابياتها: تدريب الطالب على المرونة في التفكير وسعة الأفق، بمعنى أن الإنسان الذي لا يعرف إلا قولاً واحداً تجد أنه ينكر كل ماعداه، وليس لديه -أحياناً- استعداد أصلاً أن يناقش، لكن إذا عرف الطالب الأقوال، وأن كل قول له ما يؤيده من الأدلة، سواءً كانت قوية أو ضعيفة، فإن هذا يعطيه قدرة على تحمل الآراء الأخرى وتفهمها، والمرونة في التعامل مع من يقول بها، دون حرج أو تبرم أو ضيق. ومن إيجابياتها: كسب الوقت، لأن العمر قصير، والشاب إذا قرأ كتاباً مرة قراءة متأنية قد لا يعود إليه، خاصةً في هذا العصر الذي ضعفت فيه الهمم وانشغل الإنسان فيه بأشياء كثيرة جداً، قد يكون العلم الشرعي هو أحدها في بعض الأحيان. ب/ سلبيات هذه الطريقة: ولهذه الطريقة أيضاً سلبيات، من سلبياتها: أن الشاب إذا كان مبتدأً، غالباً يكون غير مؤهل لقراءة الأقوال المتعارضة والأدلة واختيار القول الراجح، لأن هذا يتطلب وجود خلفية علمية عنده، ووجود معرفة بالأصول بصفة عامة، ووجود إلمام مجمل بعدد من العلوم، وهذا قد لا يتيسر للطالب في بداية التفقه. فيكون اختيار الطالب حينئذٍ لقول من الأقوال ليس لقوة هذا القول، لكن لسبب آخر، أحياناً قد يكون لغرابته، لأن بعض الناس يولع بالغرائب، فالقول الشاذ يجد له أنصاراً في بعض الأحيان. وقد يكون قبول الشاب لقول من الأقوال ليس لأنه راجح وصواب، لكن لأن أحد العلماء أيد هذا القول وتحمس له وعرضه بصورة قوية، كما تجد -مثلاً- بعض الشباب حين يقرءون للإمام ابن حزم في المحلى أو غيره؛ فلأن الإمام أبا محمد -رحمه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير