تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أبطل الله عقيدتهم هذه، وقال رداً عليهم: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس) وقص عليهم قصص الأنبياء والرسل، وما جرى بينهم وبين قومهم من الحوار، وأن قومهم قالوا إنكاراً لرسالتهم: (إن أنتم إلا بشر مثلنا) و (قالت لهم رسولهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) فالأنبياء والرسل كلهم كانوا بشراً، واما أن يكون الرسول ملكاً فإن ذلك لا يفي بغرض الرسالة ومصلحتها، إذ البشر لا يستطيع أن يتأسى بالملائكة، ثم تبقى الشبهة كما هي، قال تعالى: (ولو جعلنا ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون).

وحيث أن المشركين كانوا يعترفون أن إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم السلام كانوا رسلاً وكانوا بشراً، فإنهم لم يجدوا مجالاً للإصرار على شبهتهم هذه، ولكنهم أبدوا شبهة أخرى، قالوا: ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين؟ ما كان الله ليترك العظماء الكبار من أشراف قريش وثقيف، ويرسل هذا، (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) أي مكة والطائف، قال تعالى رداً عليهم: (أهم يقسمون رحمة ربك)، يعني الوحي والقرآن والنبوة والرسالة رحمة من الله، والله يعلم كيف يقسم رحمته، وأين يضعها، فمن يعطيها، ومن يحرمها، قال تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).

فانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى قالوا: إن من يكون رسولاً لملك من ملوك الدنيا يوفر له الملك أسباب الحشمة والجاه من الخدم، والحشم، والضيعة، والمال، والأبهة، والجلال، وغير ذلك، وهو يمشي في موكب من الحرس والمرافقين أصحاب العز والشرف، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش يدعى أنه رسول الله؟: (لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً).

معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل إلى جميع أنواع البشر: صغارهم وكبارهم، وضعافهم وأقويائهم، وأذنابهم وأشرافهم، وعبيدهم وأحرارهم فلو حصل له ما تقدم من الأبهة، والجلال، ومواكبة الخدم، والحشم، والكبار، لم يكن يستفيد به ضعفاء الناس وصغارهم، وهم جمهور البشر، وإذن لفاتت مصلحة الرسالة، ولم تعد لها فائدة تذكر، ولذلك أجيب المشركون على طلبهم هذا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول، يعني يكفي لدحض شبهتكم هذه أنه رسول، والذي طلبتموه له من الحشمة والجاه والموكب والمال، ينافي تبليغ الرسالة في عامة الناس بينما هم مقصودون بالرسالة.

أما قضية التوحيد فكانت رأس القضايا وأصل الخلاف، وكان المشركون يقرون بتوحيد الله سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، فكانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وهو خالق كل شيء، وهو المالك الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما وملكوت كل شيء، وهو الرازق الذي يرزق الناس والدواب والأنعام، ويرزق كل حي، وهو المدبر الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويدبر أمر كل صغير وكبير حتى الذرة والنملة، وهو رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم، ورب كل شيء، سخر الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والجن والإنس والملائكة، كل له خاضعون، يجير من يشاء على من يشاء ولا يجار عليه أبداً، يحيي ويميت، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.

وهم بعد هذا الإقرار الصريح لتوحيد الله – سبحانه وتعالى – في ذاته وصفاته وأفعاله كانوا يقولون: إن الله تعالى أعطى بعض عباده المقربين – كالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين – شيئاً من التصرف في بعض أمور الكون، فهم يتصرفون فيه بإذنه مثل: هبة الأولاد، ودفع الكربات، وقضاء الحوائج، وشفاء المرضى، وأمثال ذلك. وأن الله إنما أعطاهم ذلك لقربهم من الله، ولجاههم عند الله، فهم لأجل أن الله منحهم هذا التصرف وهذا الخيار يقضون بعض حاجات العباد عن طريق الغيب، فيكشفون عنهم بعض الكربات، ويدفعون بعض البليات، ويقربون إلى الله من يرضون به، ويشفعون له عنده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير