تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْثِرَ لَذَّةَ مَطْعَمٍ فَيَشْبَعَ فَيَفُوتَهُ قِيَامُ اللَّيْلِ , أَوْ يُؤْثِرُ لَذَّةَ النَّوْمِ فَيَفُوتُهُ التَّهَجُّدُ , أَوْ يَأْكُلُ أَوْ يُجَامِعُ بِشَرَهٍ فَيَمْرَضُ , أَوْ يَشْتَهِي جِمَاعَ سَوْدَاءَ وَيَنْسَى أَنَّهَا رُبَّمَا حَمَلَتْ فَجَاءَتْ بِبِنْتٍ سَوْدَاءَ , فَكَمْ مِنْ حَسْرَةٍ تَقَعُ لَهُ عَلَى مَدَى الزَّمَانِ كُلَّمَا رَأَى تِلْكَ الْبِنْتَ , وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِنَا مَنْ جَامَعَ سَوْدَاءَ فَجَاءَتْ لَهُ بِوَلَدٍ فَافْتُضِحَ بِهِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَخْزَنِ , وَقَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيُّ وَكَانَ تَاجِرًا قَدْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ أَسْوَدُ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ شَهْوَتِي.

وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِغَالُ الْعَالِمِ بِصُورَةِ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُرَادُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْإِخْلَاصُ فِي طَلَبِهِ فَيَذْهَبُ الزَّمَانُ فِي حُبِّ الصِّيتِ وَطَلَبِ مَدْحِ النَّاسِ فَيَقَعُ الْخُسْرَانُ إذَا حُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ. [ص: 231]

وَمِنْ ذَلِكَ اقْتِنَاعُ الْعَالِمِ بِطَرَفٍ مِنْ الْعِلْمِ , فَأَيْنَ مُزَاحَمَةُ الْكَامِلِينَ وَالنَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ أَحْوَالِهِمْ؟ وَقَدْ يُؤْثِرُ الْأَسْهَلَ كَإِيثَارِ عِلْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْفِقْهِ وَمُعَانَاةُ الدَّرَجِ تَسْهُلُ عِنْدَ الْعُلُوِّ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْإِكْثَارُ مِنْ الْجِمَاعِ نَاسِيًا مَغَبَّتَهُ وَأَنَّهُ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَيُؤْذِي فَالطَّبْعُ يَرَى اللَّذَّةَ الْحَاضِرَةَ وَالْعَقْلُ يَتَأَمَّلُ , وَشَرْحُ هَذَا يَطُولُ لَكِنْ قَدْ نَبَّهْت عَلَى أُصُولِهِ , لَقَدْ جِئْت يَوْمًا مِنْ حَرٍّ شَدِيدٍ فَتَعَجَّلْت رَاحَةَ الْبُرُودَةِ فَنَزَعْت ثَوْبِي فَأَصَابَنِي زُكَامٌ أَشْرَفْت مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ , وَلَوْ صَبَرْت سَاعَةً رَبِحْت مَا لَقِيت , فَقِسْ كُلَّ لَذَّةٍ عَاجِلَةٍ وَدَعْ الْعَقْلَ يَتَلَمَّحُ عَوَاقِبَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَيْضًا تَأَمَّلْت اللَّذَّاتِ فَرَأَيْتهَا بَيْنَ حِسِّيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ فَأَمَّا الْحِسِّيَّاتُ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ عِنْدَ النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ , إنَّمَا تُرَادُ لِغَيْرِهَا كَالنِّكَاحِ لِلْوَلَدِ وَلِزَوَالِ الْفُضُولِ الْمُؤْذِيَةِ , وَالطَّعَامِ لِلتَّغَذِّي وَالتَّدَاوِي , وَالْمَالِ لِلْإِعْدَادِ وَلِلْحَوَائِجِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخَلْقِ , وَإِنَّمَا جُعِلَتْ اللَّذَّاتُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْبِرْطِيلِ حَتَّى يُحَصِّلَهَا وَإِنْ طُلِبَ مِنْهَا شَيْءٌ لِنَفْسِ الِالْتِذَاذِ فَإِنَّ لِلطَّبْعِ حَظًّا , إلَّا أَنَّ كُلَّ لَذَّةٍ حِسِّيَّةٍ تُلَازِمُهَا آفَاتٌ لَا تَكَادُ تَفِي بِاللَّذَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَذَّةُ سَاعَةٍ فَيُلَازِمُهُ عَاجِلًا ذَهَابُ الْقُوَّةِ وَتَكَلُّفُ الْغُسْلِ وَمُدَارَاةُ الْمَرْأَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَوْلَادِ , فَاللَّذَّةُ خُطِفَتْ خَطْفَ بَرْقٍ وَمَا لَازَمَهَا صَوَاعِقُ وَمَا يُلَازِمُ الْمَطْعَمَ مَعْلُومٌ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ مَا يُلَازِمُ حُبَّ الْمَالِ مِنْ مُعَانَاةِ الْكَسْبِ وَالْخَوْضِ فِي الشُّبُهَاتِ وَصَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ الْفِكْرِ فِي الْآخِرَةِ شُغْلًا بِالِاكْتِسَابِ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا الضَّرُورِيَّ فَتَقَعَ مُعَانَاةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتَحْصُلَ قَنَاعَةٌ بِمِقْدَارِ الْكِفَايَةِ وَالْعِفَّةِ عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير