[الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبي هلال العسكري]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[10 - 06 - 07, 08:52 م]ـ
[الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبي هلال العسكري]
انتقاء محمد الحمد
1 - والاجتهاد فيما يُكْسبُ العز، ويزيد في النباهة والقدر - راحة العاقل، والتواني عنه عادة الجاهل.
وقلت في نحو ذلك:
وساهر الليل في الحاجات نائمُهُ وواهب المال عند المَحْل ii كاسِبُهُ
وقلت في نحو ذلك:
وليغدُ في تعب يَرُحْ في راحة إن الأمور مُريحُها ii كالمُتْعِبِ
وقلت:
ألا لا يَذمَّ الدهر من كان عاجزاً ولا يعذِلِ الأقدار من كان ii وانيا
فمن لم تُبَلّغْه المعاليَ ii نَفْسُهُ فغير جدير أن ينال ii المعاليا
ص45 - 46
2 - ومِثْل العلو في المكارم مِثْل الصعود في الثنايا [1] والقُلَل [2]، و لا يكون إلا بشق النفس، ومن ظن أنه ينعم في قصد الذرى [3]، والتوقل [4] في القذفات [5] العلا، فقد ظن باطلاً، وتوهم محالاً. ص46
3 - وقال الجاحظ: العلم عزيز الجانب، لا يعطيك بعضه، حتى تعطيه كلك، وأنت إذا أعطيته كلك كنت من إعطائه إياك البعض على خطر.
وقد صدق؛ فكم من راغب مجتهد في طلبه لا يحظى منه بطائل على طول تعبه، ومواصلة دأبه ونصبه؛ وذلك إذا نقص ذكاؤه، وكَلَّ ذهنُه، ونَبَتْ قريحتُه.
والفهم إنما يكون مع اعتدال آلته، فإذا عدم الاعتدال لم يكن قبول، كالطينة إذا كانت يابسة، أو مُنْحلَّةً، لم تقبل الختم، وإنما تقبله في حال اعتدالها.
وإذا أكدى الطالب مع الاجتهاد فكيف يكون مع الهوينى والفتور؟! ص47
4 - وإن كنت -أيها الأخ- ترغب في سمو القدر، ونباهة الذكر، وارتفاع المنزلة بين الخلق، وتلتمس عزاً لا تَثْلِمه الليالي والأيام، ولا تَتحيَّفُه الدهور والأعوام، وهيبةً بغير سلطان، وغنىً بلا مال، ومنفعةً بغير سلاح، وعلاءاً من غيرِ عشيرة، وأعواناً من غير أجرٍ، وجنداً بلا ديوان وفرض - فعليك بالعلم؛ فاطلبه في مظانه تأتِك المنافع عفواً، وتلق ما تعتمد منها صفواً.
واجتهد في تحصيله ليالي قلائل، ثم تذوَّقْ حلاوة الكرامة مدة عمرك، وتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك، واستبق لنفسك الذكر به بعد وفاتك. ص48
5 - وإذا تدبرت قول أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه- فقال: "قيمة كل امرئ ما يحسنه" كنت حقيقاً بالاجتهاد في طلب العلم أَوَانَ قدرتك عليه، غير معذور في التواني عنه، والتقصير فيه؛ لأن العاقل لا يعتمد تخسيس قيمته، ولا يغفل عما يرفع من قدره. ص50
6 - وقال بعض الأوائل: لا يتم العلم إلا بستة أشياء:
(1) ذهن ثاقب. (2) وزمان طويل. (3) وكِفاية.
(4) وعمل كثير. (5) ومعلِّم حاذق. (6) وشهوة.
وكلما نقص من هذه الستة شيء نقص بمقداره من العلم. ص52
7 - قال أبو هلال: فإذا كان العلم مؤنساً في الوحدة، ووطناً في الغربة، وشرفاً للوضيع، وقوةً للضعيف، ويساراً للمُقْتِر، ونباهة للمغمور، حتى يلحقه بالمشهور المذكور - كان من حقه أن يُؤْثَرَ على أنفس الأعلاق، ويقدم على أكرم العقد، ومن حق من يعرفه حق معرفته أن يجتهد في التماسه؛ ليفوز بفضيلته؛ فإن من كانت هذه خصاله كان التقصير في طلبه قصوراً، والتفريط في تحصيله لا يكون إلا بعدم التوفيق، ومن أقصر عنه أو قَصَّر دونه فليأذن بخسران الصفقة، وليقرَّ بقصور الهمة، وليعترف بنقصان المعرفة، وليعلم أنه غُبِن الحظَّ الأوفر، وخُدع عن النصيب الأجزل، وباع الأرفع بالأدون، ورضي بالأخس عوضاً عن الأنفس، وذلك هو الضلال البعيد. ص54
8 - ولِفَضْلِ العلم ما ذلت في التماسه الأعزاء، وتواضع الكبراء، وخضع لأهله ذوو الأحلام الراجحة، والنفوس الأبية، والعقول السليمة، واحتملوا فيه الأذى، وصبروا على المكروه، ومن طلب النفيس خاطر بالنفيس، وصبر على الخسيس. ص58
9 - قال أبو هلال: سميت الرياح: المؤتفكات؛ لأنها لا تتماسك، وأصل هذه الكلمة عدم التماسك، وسمي الكذب إفكاً؛ إذ كان يدل على نفسه بالفساد والبطلان، كأنه لا يتماسك. ص59
10 - وقال سعيد بن جبير: لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك، كان أجهل ما يكون.
قال الشيخ أبو هلال: ونحو هذا ما قلته:
أُحَقِّرُ نفسي وهي نفس جليلة تَكَنَّفها من جانبيها الفضائلُ
أحاول منها أن تزيد ii فترتقي إلى حيث لا يسمو إليه ii المحاول
وإن أنت لم تبغِ الزيادة في العلا فأنت على النقصان منهن حاصل
ص62
¥