[محمد رشاد غانم .. مدرسة سلفية في محل أنتيكات]
ـ[أبوسلمان المصري]ــــــــ[28 - 06 - 07, 04:40 م]ـ
[محمد رشاد غانم .. مدرسة سلفية في محل أنتيكات]
من يقترب من قصة هذا الرجل سيتعرف على إحدى أهم خصوصيات الفكرة الإسلامية التي تميزها عن سائر الأفكار والدعوات، وهي أن المجهولين فيها كثيرًا ما يكونون أكثر تأثيرًا وأهمية ممن اشتهروا وارتبطت الدعوة بهم في الأذهان والكتب.
وفي تاريخ مدينة الإسكندرية الحديث يمكن القول إن جميع تيارات وتنظيمات العمل الإسلامي مرت برجلين بسيطين ربما لم يكتب عن دور أي منها؛ أحدهما هو الحاج محمد رشاد غانم موضوع هذه السطور.
أما الأول -الحاج محمد علي أمين- فكان رجلاً نوبيًّا بسيطًا يعمل فرَّاشًا في كلية العلوم في الثلث الثاني من القرن الماضي (العشرين)، ولكنه كان أستاذًا لكل أبناء الحركة الإسلامية في المدينة .. تتلمذ على يديه القطب الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم، وقد ذكره وأشاد بفضله في الجزء الأول من كتابه (الإخوان المسلمون .. أحداث صنعت التاريخ) .. كما تتلمذت عليه أول مجموعة طلاب شكلت النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين في الإسكندرية، وهم عبد العزيز كامل (وزير الأوقاف فيما بعد) وأحمد هيبة (وكان مأمورًا للبوليس) والأستاذ فتحي محمود .. وكان أول لقاء للمجموعة في بيت الأخير في شارع جميل سالم في زيزينيا.
وإذا كان الرجل الأول مجرد بواب أو فرّاش متواضع فإن الرجل الثاني -الحاج محمد رشاد غانم- لم يكن سوى تاجر فضيات و"أنتيكات" لا علاقة له من حيث العمل والتخصص بالعلوم الشرعية، وبرغم ذلك فهو أهم من نشروا الفكر السلفي في المدينة، وإليه يرجع الفضل في أكبر حركة تحقيق وتأليف ونشر للسلفية بالإسكندرية في النصف الثاني من القرن الماضي.
وبرغم ذلك فإن اسمه يكاد لا يُذكر إلا نادرًا في المدينة التي عرفت أكبر حركة سلفية في مصر وأهمها على وجه الإطلاق.
صالون دعوي مفتوح
لم ألتقِ الحاج رشاد غانم ولم أسعد بالجلوس إليه، "ولد في 1916 وتُوفِّي في 1992" ولم أجد له ترجمة أرجع إليها في كتابة هذه الأسطر، ولكن يكاد يتفق كل من تحدثت معهم عن تاريخ الدعوة الإسلامية في الإسكندرية على ذكره والإشارة إليه بالفضل في نشر الفكر السلفي، وإمداد العاملين في حقل الدعوة بالكتب والمصادر اللازمة لهم في فترة كان يعز فيها الكتاب.
كان الحاج رشاد غانم رجلاً بسيطًا يعمل في تجارة الفضيات والـ"أنتيكات" في الإسكندرية، ولم يكن خطيبًا أو داعية في المساجد ودروس العلم، كما لم يكن يتعاطى الكتابة (باستثناء صفحات معدودة لا تبلغ ملزمة في كتاب)، ولكن كان صاحب صالون مفتوح لكل العاملين في الدعوة والمهتمين بنشر الفكرة الإسلامية، كانت لديه غرفة صغيرة ملحقة بمحل الفضيات الذي يتاجر فيه، يجمع فيها الدعاة من كل تيار والمهتمين بالإسلام من كل جيل وبلد للتناقش في أمور الإسلام، ومن هذا الصالون استطاع نشر الفكرة السلفية والتعريف بها لدى أجيال مختلفة من أبناء الصحوة الإسلامية في الإسكندرية ومصر.
التاجر القارئ
كان الحاج رشاد غانم يرى أن أفضل الأعمال بعد العبادة والدعوة إلى الله تدارس العلم الشرعي ومساعدة طلابه وتوجيههم وتوفير الكتب والمصادر التي يحتاجونها لهذا الغرض، ولم يكن يتردد في بذل وسعه في ذلك.
كان الرجل تاجرًا بسيطًا .. لكنه قارئ نهم واسع الاطلاع على أهم مصادر السلفية وأدبياتها وهاويًا لجمع الكتب والمخطوطات الإسلامية النادرة والمهمة، ساعده في ذلك أنه كان على علاقة وثيقة بكل دور النشر التي تلاحقه بالجديد (مكتبة حجازي - مكتبة عم إبراهيم في شارع عبد المنعم - مكتبة علاء الدين - مكتبات المحطة ... )، بل كان يرسل في طلب كتب التراث وخاصة كتب السنة والحديث من أنحاء العالم مع التجار الذين كانوا يأتون إليه بالكتب والمخطوطات النفيسة من كل البلاد، حتى إن جزءًا كبيرًا من مخطوطات مكتبته جلبه من مدارس أهل الحديث في شبه القارة الهندية.
ذكر لي أصدقاؤه أنه كان أول من اشترى المعجم المفهرس للحديث النبوي (وضعه كل من المستشرق الهولندي فنسنج ومحمد فؤاد عبد الباقي) حين طبع في السبعينيات من القرن الماضي، ودفع فيه مبلغ ألف جنيه مصري في هذا الزمن، وقد كان مبلغًا ضخمًا يمثل ثروة طائلة وقتها.
¥