تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونحن نعلم أن ممن أنكر الربط بين الخطيئة والمصيبة، فإنما ينكر ذلك على سبيل الإطلاق، ولا يرى الذنب شؤما وبلاء على الناس، وهو بهذا مخالف لصريح القرآن والسنة، فمن قرأهما لم يتعن ليعرف هذه الحقيقة الجلية.

لكن من أنكر تخصيص المصابين بموعظتهم؛ بأن السبب المعاصي، فإنكاره صحيح؛ فإن المصيبة إن وقعت على صالحين، أو صالحين مصلحين، فهي تمحيص وتطهير ورفعة، فعلام موعظتهم في الذنب؟.

وإن وقعت على عاصين خاطئين، فما وقع يكفيهم، وليسوا بحاجة إلى عقوبة التقريع فوق ذلك، فإن أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه روى: أَنَّهُ سَمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا زَنَتْ الْأَمَةُ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، ولا يُثَرِّبْ. ثُمَّ إن زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ من شَعَرٍ). صحيح البخاري (2/ 756)، والتثريب هو اللوم والتقريع.

فإذا كان بحضرة المصابين، فالتذكير بأن الذنوب هي السبب، موعظة في غير محله، ويمكن ذلك بغير حضرتهم، أو بعدما تنجلي الكارثة.

وهنا يرد سؤال وفقا للتفصيل الآنف: إذا كانت المصيبة واحدة في صورتها، وهي تحدث عن هذه الأمور الثلاثة: فكيف لنا أن نعرف حين تقع على أحد من الناس، أو على أقوام: إن كانت عقوبة، أو تطهيرا، أو تمحيصا، أو ثوابا.؟.

وهو سؤال في محله؛ لأنه ينبني على جوابه معرفة طريقة الوعظ والتعليم عقب الحادثة، كيف تكون، ويكشف لنا سرا من أقدار الله تعالى وأحكامه في العباد، يعرفه المتدبرون لآيات الله تعالى.

إن المصيبة - بمجردها - لا تعرف، إن كانت: عقوبة على إجرام، أو تطهيرا، أو تمحيصا، أو رفعة.

ذلك لأن الأطراف في المعصية ثلاثة: الواقع فيها، والناهي عنها، والساكت عليها.

وقد جاءت النصوص مبينة أن المصيبة:

- تارة تقع على العاصي وحده.

كما في قوله تعالى عن فرعون: "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" [يونس:90 - 91].

فعاقبه بالغرق ومن معه من المجرمين، ونجا موسى ومن معه من المؤمنين.

- وتارة تقع على العاصي والساكت عنه؛ الذي لا ينهاه.

كما قوله تعالى عن أصحاب السبت من اليهود، لما احتالوا على أكل السمك وصيده، في اليوم الذي نهوا عنه، وسكت ناس فلم ينكروا عليهم: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" [الأعراف:165].

فقد نجا الله تعالى الناهين، وأخذ الظالمين، وسكت عن الساكتين، وفي بعض التفاسير أنهم هلكوا، وأصرح من هذا قوله عن الذين يسمعون المنكر من القول، ثم لا ينكرون: "إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ"؛ أي كالمذنبين في الإثم، سواء بسواء، بسكوتكم وقعودكم وعدم إنكاركم. قال تعالى: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" النساء:140].

- وتارة تقع على الجميع: العاصي، والناهي، والساكت.

"وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [الأنفال:25]. فالفتنة عقوبة، وقد توعد الله بها حتى الخاصة؛ وهم الناهون عن المنكر، والصالحون الساكتون عن المنكرات، ليس الظالمين فحسب. وفي الأثر:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير