تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(المَقَامةُ السّيوطيَّة)

ـ[أبو همام السعدي]ــــــــ[11 - 03 - 10, 07:14 م]ـ

الحمد لله وليّ النعمة، دافع النقمة، ما غرّد طائر بنغمة، وهبّ صبح بنسمة، وتلألأت على ثغرٍ بسمة، والصلاة والسلام على من زيّن ببيانه الكلام، وأذهل بفصاحته الأنام، وطرق بوعظه الأيام، سلالة النجب، وصفوة العرب، أجلّ من خطب، صاحب الحسب والنسب، محطم الأصنام والنصب، وعلى آله والأصحاب، ما لمع سراب، وهمع سحاب، وقرئ كتاب. (مقدمة المقامات).

وبعد:

فإنَّ هذا الموضوعَ قد وضعته في " استراحة الملتقى " تغييراً وتلطيفاً للجو , ولم أضعه في " قسم اللغة العربية " لأني -وما كتبته- لستُ من أهلهم وليس في مرتبة قولهم.

فأقول - بالله مستعيناً -:

(المقامةُ السيوطيَّة) (*)

حدَّث هّمامُ بنُ الهَمّام قَال: جاءني رجل طََويل القَامة, عظيم المُقامة, غزير الشَعَر, شديد الجَوَر, قليلُ العِلم, صغيرُ الفَهم, قويّ الحِلم, مصاحِبُ الأهواء, مفارِق الأخلاّء, في عنفوان شبابه, ومطالع أظفاره, فسلمتُ عليه بصدرٍ رحيب, وقلت أهلاً بك من أدِيب, بلِّغني حاجتَك أوافِها, واصدقني القَول أسامها.

فقالَ –وقولُه العَجَب-: ما الكتاب الذي في جيْبِك؟ والذي يقَع عند نُزولكْ؟ فقلتُ: أمرٌ لا يهمّكْ, وشأنٌ لا يأمّك, فقال: أرينيه!. فناولتُه إيّاه, ومدَّ يَداه, فجعل يقلّب الصفحة والأخرى, ويَقرأ الشِعْرَ والنثْرَ, وأنا أنظُرُ باستغْراب, وكأنَّه يحومُني غرابْ, فقلت: يا هذا! دعك منه, فلستَ بمبلغٍ منه, فقال –وقوله العجب-: ذا شعرُ أريب, ونثرُ أديب, سلس الطوال, سليم المقال, أودّ أن أحفظَه, وإن لم أفهمَه, فقلت: أيها اللَّكوع (1) , لا تكن كحمارِ الفروع, يحفظ دونما رجوع, ويقرأ بلا متوع, يا هذا! ألم تكن في الغَيّ تلهو, وعند الأطياب تجفو, يا هذا! حافظ على واجباتك, ولا تغل في محرماتك, فالبارحة كنتَ تضحكُ عليّ, وإذا رأيتني قلتَ طفلٌ صبيّ, أين عقلك يا مغرور، هل نسيت يوم العبور، وساعة المرور, فصكعني في وجهي, وقال اغرب عن وجْهي, فصلّتْ إلى جِهَتَينِ. وبدتْ ذات وجهَينِ, واحمرّتْ وجنتاي, وضعفت قواي.

فجاء المنارَة, فانساب على غرارة, ودخل متسخطاً من الطين (2)، متعوذاً من الشياطين, وقال بصوتٍ تميدُ منه الحديد, ورفعَ عَقيرَتَهُ بصوتٍ أسْمَعَ الصُم. وكادَ يُزعزعُ الجِبالَ الشُم, أشهدك أني التزمت, وعن الغياية أبيت, ففي الباطل ارتميت, وإلى السبل اغتويت, فاقبل منّي, وغض عنّي, فقلت –وأنا في استغراب-: لقد استسمنت ذا ورمْ, ونفخت في ضرمْ, حي هلاً بك إلى منزلي, فأنت الآن ضيفي, فأكرمتُه حقّ الضيوفْ, والكل في وجل هتوف, وقلت: هَلاَّ سرَّحْت وَاسْتَرحت, فما أن جلس واستراح, وقد هيَّأت له المراح, قال: نسيتُ أمراً ذا جلل, لما رأيتُ من خطبِك الوجل, ما اسم الكتاب؟ وحتام تنهي الكتاب؟ فقد رأيت العجبََ العُجاب, وما أمري إلا في تباب؟

فقلت: أنت لا تعرف السبَب, ولذلك طالَ العَجب, هيَ ألفية حديثيّة, وأقبية ديباجية, لجلالِ الدين السيوطيّ, عبد الرحمن بن البَكريّ, أنت عنها باستغناء, فقد حام لها العلماء.

فقال: أشرّ عليّ. فإشارتك غنم. وقولك غُرم (3).

فقلت: لا فُضَّ فُوكَ، واللهِ أَنْتَ وَأَبْوكَ, مَا يَحْرُمُ السُّكُوتُ إِلاَّ عَلَيْكَ، وَلا يَحِلُّ النُّطقُ إِلاَّ لكَ، هناكَ نونيّة, لأندلسيّ القمّة, تعلي الهمّة, تربوا الثلاث ميَّة, فاحفظْها ترتعش, وافهمها تنتعِش, فشعره مسبوك, وأدبه مرموق, ولكن .. أعدني, وأمني, واقبل منّي, وغضّ عني, فقال –بشدّة وارتجال-: عهد الأوفياء, وأمانة الأمناء,

لأقبلن منك, ولأغضنّ عنك.

ثم فارقتُه بسلام المحبّ, والعين تدمع في غيابة الجبّ (4) , وذاك بعدما اعتبرتْ, وعن الخطأ اعتذرتْ.

وقلت صدق الله إذا يقول: [وما يدريكَ لعلَّه يزكّى].

وصدق رسول الله إذ يقول: (اُنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَل مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقكُمْ، فَهُوَ أَجْدَر أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ).

وصدق الشاعر إذ يقولُ: ~ يا أخي لا تمل بوجهكَ عنّي ... فما أنا فحمَةٌ ولا فرقد ~

وصدق الشاعر إذ يقول: ~ لا تحقرنَّ صغيراً في مخاصمَةٍ ... إنَّ النملةَ تدمي مقلةَ الأسد ~


(1) اللكوع: الأحمق اللئيم الدنئ. قالَ رُؤْبَةُ: لا أبْتَغِي فَضْلَ امْرِئٍ لَكُوعِ جَعْدِ اليَدَيْنِ لَحِزٍ مَنُوعِ. وأنْشَدَ الصّاغَانِيُّ: % (فأنْتَ الفَتَى ما دامَ في الزَّهَرِ النَّدَى % وأنْتَ إذا اشْتَدَّ الزَّمَانُ لَكُوعُ). التاج (22/ 163).
(2) هي كناية عن تصغير النفس وتحقيرها, وأنه لا يساوي شيئا, كما قال إيليا أبو ماضي:
نسي الطينُ ساعةً أنه طينٌ حقيرُ ... فصالَ تيهاً وعربدَ.
(3) الغرم: من معانيه الدًّين , بمعنى: أنه دينٌ عليّ , يجب الوفاء به.
(4) أي في قعرها. فالدموع منفاضة ومليئة فيها الدموع.

(*) وقد كتبتها في دقائق معدودة من نهل الخاطر, لما أشغل بها البال, وأبعدتها عن التكلّف والتصنّع, وهي حادثة حقيقيّة, وأزدت عليها, لما رأيتُ من إتمامٍ لها, وسميتها بالسيوطيَّة, لحبي لها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير