النحل من قبيل الحشرات، وقد أوحى الله إليها، أي: ألهمها وجعل في غريزتها هذا التنظيم المنظم الذي تعمل بمقتضاه، بدءا من سكنها في أكرم الأماكن من الجبال والشجر أو فيما يوضع لها من العرش والكروم، متباعدة عن السفل ومواطن القذر، إلى تقسيم العمل بينها في صورة جماعات تعاونية، يرأس كل جماعة أكبرها، ووجود عاملات في كل جماعة أو خلية، ثم امتصاصها لرحيق الأزهار، وورودها موارد المياه النظيفة غير الآسنة ولا المتغيرة، وابتنائها البيوت المحكمة ذات الأشكال السداسية، فتخزن في بعضها العسل، وفي بعضها الآخر الشمع لتربية صغار النحل، وإنما كانت سداسية الأضلاع لتكون كالقطعة الواحدة فلا يتخلل بينها فراغ تنساب منه الحشرات أو العسل.
ـ[إسلام الغرباوي]ــــــــ[19 - 03 - 10, 02:50 ص]ـ
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة - (1/ 248)
فصل ثم تأمل احوال النحل وما فيها من العبر والايات فانظر اليها
والى اجتهادها في صنعة العسل وبنائها البيوت المسدسة التي هي من اتم الاشكال واحسنها استدارة واحكمها صنعا فإذا انضم بعضها إلى بعض لم يكن بينها فرجة ولا خلل كل هذا بغير مقياس ولا آله ولا بيكار وتلك من اثر صنع الله وإلهامه إياها وايحائه اليها
وجاء في المواقف للإيجي- (3/ 94)
" بفعل النحل لتلك البيوت المسدسة بلا فرجار ومسطر واختيارها للمسدس لأنه أوسع من المربع
ولا يقع بينها فرج كما بين المدورات وما سواها
وهذا لا يعرفه إلا الحذاق من أهل الهندسة وكذلك العنكبوت تنسج تلك البيوت بلا آلة مع أنه لا علم لهما
وجاؤ فيه أيضا (3/ 101)
بفعل النحل لتلك البيوت المسدسة المتساوية بلا فرجار ومسطر
واختيارها للمسدس لأنه أوسع من المثلث
والمربع والمخمس ولا يقع بينها أي بين المسدسات فرج كما يقع بين المدورات وما سواها من المضلعات وهذا الذي ذكرناه لا يعرفه إلا الحذاق من أهل الهندسة
وكذلك العنكبوت تنسج تلك البيوت وتجعل لها سدى ولحمة على تناسب هندسي بلا آلة مع أنه لا علم لهما بما يصدر عنهما
وقال الغزالي كما في محاسن التأويل للقاسمي تفسير سورة النحل آية 68
": انظر إلى النحل كيف أوحى الله إليها حتى اتخذت من الجبال بيوتاً. وكيف استخرج من لعابها الشمع والعسل. وجعل أحدهما ضياءً والآخر شفاءً. ثم لو تأملت عجائب أمرها في تناولها الأزهار والأنوار، واحترازها من النجاسات والأقدار، وطاعتها لواحد من جملتها وهو أكبرها شخصاً وهو أميرها، ثم ما سخر الله لأميرها من العدل والإنصاف بينها، حتى أنه ليقتل منها على باب المنفذ كل ما وقع منها على نجاسة؛ لقضيت من ذلك العجب إن كنت بصيراً في نفسك، وفارغاً من هم بطنك وفرجك، وشهوات نفسك في معاداة أقرانك، وموالاة إخوانك. ثم دع عنك جميع ذلك، وانظر إلى بنيانها بيتاً من الشمع، واختيارها من جميع الأشكال الشكل المسدس، فلا تبني بيتها مستديراً ولا مربعاً ولا مخمساً، بل مسدساً لخاصية في الشكل المسدس، يقصر فهم المهندس عن درك ذلك. وهو أن أوسع الأشكال وأحواها المستدير وما يقرب منه. فإن المربع تخرج منه زوايا ضائعة. وشكل النحل مستدير مستطيل. فترك المربع حتى لا تبقى الزوايا فارغة. ثم لو بناها مستديرة لبقي خارج البيوت فرج ضائعة، فإن الأشكال المستديرة إذا اجتمعت لم تجتمع متراصة، ولا شكل في الأشكال ذوات الزوايا يقرب في الاحتواء من المستدير. ثم تتراص الجملة منه بحيث لا تبقى بعد اجتماعها فرجة إلا المسدس. وهذه خاصية هذا الشكل. فانظر كيف ألهم الله تعالى النحل، على صغر جرمه، ذلك؛ لطفاً به وعناية بوجوده فيما هو محتاج إليه؛ ليهنأ عيشه. فسبحانه ما أعظم شأنه وأوسع لطفه وامتنانه.
وجاء في تفسير مفاتيح الغيب للرازي (20/ 236)
¥