ـ[ذو المعالي]ــــــــ[22 - 10 - 10, 05:19 م]ـ
(2)
سألت الشيخ عبد الله، و أبا مالك، و كان حينها أخونا عيسى ليس معنا، عن تأليف لهما يكتبانه بقصد التأليف، لا أن يكون جمعا لمقالات أو ردا على أكتوبة، و هذا السؤال مبني على رؤية عندي، و هي: أن الإنسان، و المثقف، و المفكر، و المصلح، في أول أمره يكون مستندا على غيره في التكوين المعرفي، ثم تتكوَّن لديه المعارف من خلال القراءة و البحث و التأمل و التجربة، فينتظر الناس منه توجيها و رسماً للمعالم، فيبدأ في تكوين من يوافقه في الرؤية، و ذلك من خلال المقالات أو الكتب التي يُكثر فيها من النقل أو الإحالة، و هذا مطلب مهم للمصلحين، حتى يُشعروا الناس أنهم ليسوا الوحيدين في الرؤية و السعي، و لكن هذا لن يُغني الأتباع و المحبين من أن يكون للرجل المصلح أو الرائي رؤية فكرية بعيدة عميقة أن يكتب رؤيته و تجربته في كتاب إنشائي، غالبا، و ضربت مثالا بكتب الدكتور عبد الكريم بكار، ففي كتبه التي قبل " تكوين المفكر" كان ينشر رؤاه مع الإشارة إلى من وافقه أو وافقوه، ليصنع الأمان برؤيته في نفوس قرائه، لكن كتابه " تكوين المفكر" أعتبره كتاب عقلِ الدكتور، لأنه نثر فيه رؤيته من عقله و معرفته، بعد أن محصَّها، و نقَّحها، و صحح الكثير منها، فغدا الكتابُ، فيما أرى، هو منهج الدكتور، أو مقرر المفكر القادم.
لا أقلل من المقالات، فربما مقال واحد خير من ألف كتاب، و لو كان كاتبها واحدا، و لكن المقالات غالبا ما تنطلق من حاجة طارئة، أو قضية دقيقة، و ربما تكون ردة فعل وقتية.
أسر الشيخ بشيءٍ من ذلك، و أنه مُزمعٌ على عمل قادم، لا زالت تجول فكرته في الرأس، أعمل الله فيها عوامل البناءِ لتكون مرفوعة في الشموخِ بالضمِّ للكمال، و تغدو منصوبةً في الرسوخِ بياءِ اللينِ، و مجزومة بسكون اليقين، و مجرورةً بكسرِ الحالِ في محراب الابتهال للاكتمال.
أما أبو مالك فكرَّارٌ بالفرارِ، و لا عجبَ فهو كُنيفٌ مُلئَ علما، فماذا يدع و ماذا يضع.
تعرضنا للحديث عن القراءة السريعة، و هنا اختلف الشيخان، فالشيخ عبد الله لا يرى الجدوى من دورات القراءة السريعة، و الشيخ أبو مالك يراها، و خلافهما لفظي ليس حقيقي، تكمن رؤية الشيخ عبد الله في أن السرعة تُنال بالممارسة و الدورات لا تصنع قارئا، و أبو مالك يرى الجدوى في أثرها كبيرة، و أن الحاضر لدورة القراءة السريعة يستفيد، و كلاهما مصيب، فالدورات تصنع المعالم، و الممارسة تصنع الملَكات، و هذا قانون الحياة: فن و مهارة.
من ضمن ما دار أن أبا مالك يسأل الشيخ عن أطول كتاب، و عن كتاب قرأه كاملا، و الشيخ يحيد عن الجواب، للسبب الماضي في (1). و حرص أبي مالك من أعجب ما رأيت، فلا زلت أتعجب في حاليهما، حرصِ أبي مالك على الاستجواب، و حيدة أبي أحمد عن الجواب، و كلاهما يُرقِّي الجالس في معارج الأدب.
قبل أسبوع، و تقريبا في الجمعة الماضية، زارني مجموعة من الفضلاء، يشتغلون في الدعوة و الإصلاح، و كانوا قد دعوني إلى مؤتمر أقيم قبل أسبوعين، و اعتذرت لأمور، أن مواضيعه مكررة، و نحن في عصر الابتكار لا التكرار، و ذكرت لهم، وسبب ذكره هنا أنني ذكرت القصة في جلسة المُزهرين، ذكرت لهم أننا في عصر العولمة، و العولمة تقتضي الدخول بقوة، و أقوى القُوى المُتفق عليها بين جميع العولميين هي المعرفة، و قلت لهم: قوة المعرفة في أربعة أشياء: شموليتها، فالمعرفة المحصورة تموت. ثبوتها و تجددها، ثبوت أصولها و تجدد فروعها. فاعليتها، فالمعرفة الجامدة الخاملة لا تنفع في عصر متحرك بأسرع من الضوء. و مرونتها، فالمعرفة التي لا تتأقلم لا تعيش. و قلت للأشياخ المحبين " المُزهرين": أن نكون هكذا أو لا، فلا نقتحم عقبة النهضة بسلاح ضعيف.
ربما يتبع ..
ـ[أبو سفيان الأزدي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 12:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا
ليتني كنت معكم ...
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[23 - 10 - 10, 12:32 ص]ـ
شكرا أستاذنا
ـ[الطيماوي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 03:20 ص]ـ
ليتني كنت مستمعا
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[23 - 10 - 10, 04:37 م]ـ
(3)
أبو مالك أصفه بمفتاح الفوائد، و عبد الله بدارها، و أما عيسى فبابٌ لها، فعرفت من طريقة أبي مالك أنه يسأل سؤالاً مفتوحا، و هو السؤال الذي تكون إجابته فضفاضة و لا تُختصر، و تتشعب أجوبة السؤال، لا جوابُه، فسأل أبو مالك الشيخ عبد الله عما ذكره بأنه في بعض القراءات لم يقيد شيئا مما قرأ، و أظنُّ أنه ذكر أنه سيعود إليها، هنا تشعب الحديث عن طريقة التعامل مع فوائد المقروء، وكان لكل منا شأنه في هذا، فكان من اللطيف ذكراً، أن ذكرت أنني أهديت لشخص كتابا قرأت منه، و العادة لا أهدي كتابا قرأته، لأنني أُسوِّدُه بما يطرأ، فكان هذا الكتاب من هذا النوع، و أهديته لضرورة طارئة، فاتصل بي و قال لي: ما سر الرموز في كتابك بقلمك: *، _، >، "". فقلت هذه لها شرح:
أما: * فتعني أن هناك مقولة أو حكمةً تُقتبَس و تغدو كالأقوال و الحكم.
و أما: _ فتعني أن هناك كلاما في السطر مهما، يُفاد منه و لا يُقتبَس للاستشهاد. و تعني أيضا إذا كانت في وسط السطر و تحت الحرف بدء الكلام المراد.
و أما: > فتعني أن المقطع كله مهم.
و أما: " " فتعني حصر المقتبَس في العلامة الأولى: *.
و تكلمنا عن تقييد الفوائد، و أننا في زمن الكلمات الطائرة، ففي تضاعيف الأسطر حروفاً لا تكاد تُوجد، فاقتباسها و تقييدها من فطنة القارئ. و نحن بحاجة إلى قراء فطنة. و هذه جاء ذكرها عندما ذكر الشيخ فائدة عن إنشتاين في تشبيهه الحياة بالدراجة.
جرت أحاديث عن المعارضات الشعرية، و ذكر أبو مالك معارضة أحدهم لألفية ابن مالك، و معارضته للامية الطُغرَّائي. و على ذكر النظوم ذكرت لحدثٍ ما منظومة الفراسة للبيومي، و ذكرت منها بيته الذي يقول فيه:
وكل ما للأرض قالوا يقربُ
يقرب شره كذلك جربوا
إلى أحاديث أخرى احتوتها تلك الجلسة، شذ الكثير منها عن القيد، و لحقت على البعض، و لما ارتحلنا سيارتنا، اعتذرت لأبي مالك، كما اعتذرتُ قبلُ، من ثرثرةٍ و كثرة كلام بدر مني. و وميض من الأمل المشرق أن لقاءات أخر ستأتي في قوالب الأيام. فحمدا لله الأجل على مجالس الكُمَّل.
¥