تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أصول الأخلاق إيثار الحلم وترك الغضب المذموم الذي يكون حمية أو انتصارا للنفس وغيرها، ممّا لا يكون في ذات الله، وقد وصف الله تعالى الكاظمين الغيظ بأحسن وصف في قوله عزّ وجلّ: ?الذينَ يُنفقُونَ في السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَاظمينَ الغَيْظَ وَالعَافينَ عَن النَّاس وَاللهُ يُحبُّ المُحْسنينَ? [آل عمران: 134]، ذلك لأنّ من استطاع قهر نفسه وغلبتها كانت دعوة غيره أسهل وأيسر، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) (9 - متّفق عليه، أخرجه البخاري: (10/ 518) في الأدب: باب الحذر من الغضب، ومسلم: (16/ 162) في البرّ والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_9'))).

هذا كلّه فيما يمس حياته الخاصّة، أمّا حرمات الله تعالى فلا ينبغي أن يتهاون فيها أو يتساهل (10 - وفي هذا المعنى بوّب البخاري (10/ 516): باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله تعالى (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_10')))، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلاّ أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها) (11 - أخرجه البخاري: (10/ 524) في الأدب، باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "يسروا و لا تعسروا"، ومسلم: (15/ 83) في الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام من حديث عائشة رضي الله عنها (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_11'))).

هذا، ومن تحلّى بمثل هذه الأخلاق السامية التي تمثل عماد الدعوة في جانبها العملي، المفسّر للجانب البياني أصلح الله به الناس، وعمّ خيره وانحسر شره.

ولا يخفى أنّ الدعوة الراشدة لا تكون مثمرة إلاّ إذا توافقت مع الهدي النبوي، ذلك لأنّ أسلوبه و منهجه في الدعوة أكمل أسلوب وأتمّ منهج، فقد قال تعالى: ?قُلْ هَذه سَبيلي أَدْعُو إلَى الله عَلَى بَصيرَة أَنَا وَ مَن اتَّبَعَني، وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا منَ المُشْركينَ? [يوسف: 108].

والأسلوب النبوي في الدعوة كان مؤسسا على توحيد الله عزّ وجلّ، ومحاربة مظاهر الشرك وأشكال الخرافة، وأنماط البدع، لتمكين العقيدة السليمة والصحيحة من الانتشار على نحو ما فهمها السلف الصالح تحقيقا لعبودية الله وحده لا شريك له، لذلك كان موضوع العقيدة تعليما وتصحيحا وترسيخا من أولى الأولويات وأسمى المهمّات التي يجب على الداعي إعطاءها العناية الكافية التي تستحقها، كما ينبغي أن يكون أسلوب الدعوة في نهجه أن يرسم الطريق القويم لكلّ مخطئ أو منحرف على وجه الشمول لتعمّ فائدته ونفعه، وهو جلي في نصائحه صلى الله عليه وسلم وخطاباته ودعوته - كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟! ... ) (12 - أخرجه البخاري: (5/ 167) في العتق باب بيع الولاء وهبته، وفي المكاتب: باب ما يجوز من شروط المكاتب (5/ 187)، ومسلم: (10/ 139) في العتق، باب الولاء لمن اعتق، وأبو داود: (4/ 245) في العتق باب بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، من حديث عائشة رضي الله عنها (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_12'))) ، وقوله: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء؟!) (13 - أخرجه البخاري: (2/ 233) في صفة الصلاة، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، ومسلم: (4/ 152) في الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_13')))، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا) (14 - أخرجه أبو داود: (5/ 143) في الأدب، باب في حسن العشرة، والحديث صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم: (2064) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_14')))، إذ هذا الأسلوب أبعد عن الانفعال والأنفة والاعتزاز بالرأي عند عدم جدواه وأنّه إلى استصلاح الحال الأقرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير