تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يكتفي كثير من مبتغي العلم وطلبيه بمجرد المطالعة, وسماع العلم, دون حفظه ومذاكرته, وتالله لست أدري أي علم حصلوه, فالمرء لا ترسخ قدمه في العم إلاّ إذا حفظ من كلّ فن متناً, واستحضر القواعد, والنصوص الشرعية.

وعليه بحفظ المنظومات في أوّل طلبه للعلم فإنّ لها أثراً عجيباً في زاده وتحصيله.

وأذكر أني كنت في بداية الطلب مولعاً بالقراءة والمطالعة, ولم يكن لي حظٌ من الحفظ إلا قليلاً فنصحني بعض الأحباب بحفظ المتون, فانتقلت إلى بادية الصحراء, فانقطعت في فيافيها وقفارها سنة أحفظ المتون في كلّ فنّ, بطريقة التكرار الجماعي, فوجدت لذلك بعد أثراً عجيباً في زادي العلمي.

وكنت كثيراً ما أشترط على طلبتي حفظ هذه المتون قبل الشروع في شرحها, وكثيراً ما كنت أحفظهم إياها بنفسي.

وقد لقيت بعضهم بعد 15 سنة, فسألته عن بعض الأبيات في الفرائض, فوجدته ولله الحمد مستحضراً لها.

- عن عبد الرزاق أنه قال: "كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علماً".

وقال الأصمعي: "كل علم لا يدخل معي الحمام فليس بعلم".

وأنشد أبو الفتح هبة الله بن عبد الواحد البغدادي لبشار:

علمي معي أينما يممت يتبعني بطني وعاء له لا بطن صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق.

خامساً: الأدب قبل الطلب.

الأدب والسمت الحسن هو ملاك العلم وحليته, وكان السلف رحمهم الله أحرص على تلقّي الأدب من الاستزادة من العلم, ولذلك كثر خيرهم, وانتفع الخلق بعلمهم.

قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "طلبت الأدب ثلاثين سنة , وطلبت العلم عشرين سنة , وكانوا يطلبون الأدب قبل العلم))

وعن إبراهيم بن حبيب الشهيد قال: قال لي أبي: "يا بُني إيت الفقهاء والعلماء , وتعلم منهم وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم , فإن ذاك أحب إلي لك من كثير من الحديث))

وعن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري (ت 344 هـ) قال (علم بلا أدب كنار بلا حطب، و أدب بلا علم كجسم بلا روح)).

وإنّ القلب ليمتلئ كمداً عندما ترى طالب العلم خلواً من الأدب, قد ضرب كل رذيلة بسهم, سيء الطباع, حاد اللسان, متطاولاً على العلماء والأخيار, متسارعاً إلى الجواب عن كل مسألة ونازلة, معجباً بنفسه, متعالماً بضحالة علمه.

وقد جمع بعضهم هذه الآداب فقال:

فالتمسِ العلمَ وأَجْمِل في الطلَبْ ... والعلم لا يَحسنُ إلا بالأدبْ

والأدبُ النافعُ حسنُ الصمتِ ... وفي كثير القولِ بعضُ المقتِ

فكُن لحسن السمت ما حَيِتَا ... مقارناً تُحمد ما بقيتَ

وإنْ بدت بين أناسٍ مسألهْ ... معروفةٌ في العلمِ أو مُفتعَلهْ

فلا تكن إلى الجوابِ سابقاً ... حتى تَرَى غيرَك فيها ناطقاً

فكم رأيتُ من عجولٍ سابقِ ... من غير فهمٍ بالخطأ ناطقِ

أزرى بهِ ذلك في المجالسِ ... عند ذوي الألبابِ والتنافسِ

وقُلْ إذا أعياكَ ذاك الأمرُ ... مالي بما تسأل عنه خُبْرُ

فذاك شطرُ العلمِ عند العلما ... كذاك ما زالتْ تقول الحُكما

والصمت فاعلم بك حقاً أزين ُ ... وإنْ لم يكن عندك علمٌ متقنُ

إياك والعجب بفضل رأيِكا ... واحذر جوابَ القولِ من خطائكا

والأدب لا ينال إلى بثني الركب بين يدي العلماء الربانيين, فإنّ مجالستهم تكسر حدّة العجب, وتقمع غرور التعلّم.

وهنا أذكر قصة حصلت لي قبل 10 سنوات, فقد اتّصل بي بعض طلبة العلم – من أروبا- مستفتياً في مسألة -تبدو لصغار طلبة العلم سهلة متيسّرة- فاعتذرت له بقولي: "لا أعلم".

فألحّ في سؤاله, فما كان مني إلا أن طلبت منه مهلة حتى أستفتي فيها بعض أهل العم, فاتصلت على عالم جليل في مكة المكرّمة – وأنا يومئذ بالمدينة المنوّرة- فاستفتيته في المسألة فقال: "لا أعلم" ولكن أمهلني إلى ما بعد العشاء, فإني نازل إلى الحرم وسأسأل إخواني العلماء, فاتصلت به بعد العشاء, فقال: "لم أجد لك جواباً"

وكم أثر في هذا الموقف, وصقلني صقلاً, وهذبني تهذيباً.

وأذكر يوم مجيئي إلى المدينة المنوّرة, فكنت كثيراً ما أناقش المشايخ, فكان ردهم لي عنيفاً وقاسياً في كثير من الأحيان, وأدركت بعدها أنما أردوا لي أن أتحلى بسمت التواضع وأدب العلم, فحمدت لهم ذلك بعد أن عرفت الحق, واستبنت السبيل

سادساً: اقتران العلم بالعمل.

غاية العلم العمل, فمن لم يعمل بعلمه, إنما هو مكثر لحجج الله عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير