{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: هذا من جنسه , وعلى وصفه , كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة , وليس لهم وقت خال من اللذة , فهم دائما متلذذون بأكلها.
وقوله: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} قيل: متشابها في الاسم , مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون , مختلفا في الاسم، وقيل: يشبه بعضه بعضًا , في الحسن , واللذة , والفكاهة , ولعل هذا الصحيح.
ثم لما ذكر مسكنهم , وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم , ذكر أزواجهم , فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه , وأوضحه فقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} فلم يقل: " مطهرة من العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق , مطهرات الخلق , مطهرات اللسان , مطهرات الأبصار، فأخلاقهن , أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن , وحسن التبعل , والأدب القولي والفعلي , ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني , والبول والغائط , والمخاط والبصاق , والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضًا , بكمال الجمال , فليس فيهن عيب , ولا دمامة خلق , بل هن خيرات حسان , مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن , وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح.
ففي هذه الآية الكريمة , ذكر المبشِّر والمبشَّر , والمبشَّرُ به , والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك , هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة , إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة , على يد أفضل الخلق , بأفضل الأسباب.
وفيه استحباب بشارة المؤمنين , وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها وثمراتها، فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان , توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم.