تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما جاء في ترجمة أيوب السختياني رحمه الله تعالى، قال شعبة: قال أيوب: (ذُكرت ولا أحب أن أُذكر) (10).

وقال شعبة أيضاً: (ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من ها هنا وها هنا؛ لكيلا يفطن له) (11).

وقال حماد: (كنت أمشي معه {يعني أيوب} فيأخذ في طرق إني لأعجب كيف يهتدي لها؛ فراراً من الناس أن يُقال: هذا أيوب) (12).

وقال بشر بن الحارث: (ما اتقى الله مَنْ أحبَّ الشهرة) (13).

وقال الإمام أحمد: (أريد أن أكون في شعب بمكة؛ حتى لا أُعرف، وقد بليت بالشهرة) (14).

ولما بلغ الإمام أحمد أنَّ الناس يدعون له قال: (ليته لا يكون استدراجاً) (15).

وقال مرة يخاطب تلميذه لما بلَّغه مدح الناس: (يا يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسَه فما ينفعه كلام الناس) (16).

وقال مرة لشخص آخر عندما بلَّغه دعاء الناس قال: (أسأل الله أن لا يجعلنا مرائين) (17).

* المعوق الثالث: (التفريط في حلقات العلم):

كان سلفنا يقولون: (العلم يؤتى ولا يأتي) وحُقّ لنا أن نقول: إنّ العلم الآن يأتي ولا يؤتى، إلاّ من القليل، فحلقات العلم التي تعقد والدروس التي تقام، إن لم نستغلها فسوف نعض أصابع الندم فيما بعد، ولات حين مندم، فهذه الحلقات لو لم يكن فيها إلاّ: أن السكينة تنزل على حاضريها، والرحمة تغشاهم، والملائكة تحفهم، وقبل ذلك يذكرهم الله فيمن عنده؛ لكان ذلك كافياً في حضورها، فكيف إذا كان صاحب الحلقة سيحظى - إن شاء الله - بفوزين: بالتحصيل العلمي وبالأجر الأخروي؟!

* المعوق الرابع: (التذرع بكثرة الأشغال):

هذا العذر جعله الشيطان حاجزاً منيعاً، وكم كُلِّم إخوة أحبة وحُثوا على طلب العلم، لكن الشيطان سوّل لهم، ولبَّس عليهم، فالمفرِّط جعل الأشغال ذريعة في التغيّب عن حلقات العلم، وجعل في هذه الأشغال التماساً للمعاذير، حتى يجعل لنفسه تأويلاً مستساغاً في نظره، فيكون في تركه لطلب العلم حجة، وهذه الأشغال هي سبب رئيس في منع الطالب من حلقات العلم، ومن تحصيل كثير من العلم، لكن من فتح الله على بصيرته، ورتب أوقاته، واستغلّ ما يستطيع، فإنَّه سيُحصِّل كثيراً، ولسان حال أولئك الذين انتفعوا من ترتيب أوقاتهم يقول:

* المعوق الخامس: (التفريط في طلب العلم في الصِّغر):

إن الإنسان ليغبط أناساً أصغر منه سناً وأكبر همةً، تجدهم من السباقين إلى حلقات العلم، نعم، يغبط أولئك ... ويتحسَّر على أوقات ذهبت من عمره، ولم يستغلها في الطلب والحفظ، فإذا ما كبر وكثرت أشغاله وكثرت الطوارق عليه آناء الليل وأطراف النهار، تعكَّرَ مزاجه، ولم يستطع أن يتهيّأ للتحصيل كما لو كان صغيراً خالياً من الأشغال، ولهذا قال الحسن: (طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر) (19).

ورضي الله عن عمر عندما قال: (تفقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا) (20).

قال أبو عبد الله {وهو الإمام البخاري}: (وبعد أن تُسوَّدوا، وقد تعلم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في كبر سنهم).

فبادر أخي، قبل أن تبتلى بالناس، وقبل أن تبتلى بكثرة المشاغل، وقبل أن تندم كما ندم كثيرون، عليك باستغلال وقت الصغر في الطلب، ولا يعني هذا أن الإنسان يقنط وييأس إذا لم يتدارك وقت الصغر بالطلب، بل إن العمر كله زمان لتحصيل العلم؛ لأنه عبادة، والله تعالى يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (21).

* المعوق السادس: (العزوف عن طلب العلم):

ومن أسباب ذلك: العزوف بزعم التفرغ لمتابعة أحداث العصر، ولمعرفة الواقع.

هذا الباب يختلف الناس في ولوجهم فيه، بين إفراط وتفريط ووسط والأولان على خطأ.

إنَّ طلب العلم يحثك على أن تعرف واقعك، ولن تستطيع أن تعالج نازلة أو حادثة نزلت في واقعك إلا بأن تعرضها على ميزان الشرع.

قال الشاعر:

والشرع ميزان الأمور كلها ... وشاهد لفرعها وأصلها (22)

أما من عزف عن طلب العلم والحفظ، وتفرَّغ لمتابعة الجرائد والمجلات، وصبّ كل جهده ووقته في قراءتها، ثم أخذ يعالج تلك القضايا من منظوره القاصر دون الرجوع إلى العلماء، فهذا الذي قد خسر، ولن يعرف قدر خسارته إلا فيما بعد، كما قال القائل:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير