تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ... ندمت على التفريط في زمن البذرِ

إن مما يستنكر وينتقد أن ترى شاباً من شباب المسلمين، وممن يغار على حرمات الله ويذرف الدمع والدم على حرمات انتُهكت، إنَّ من العيب في حقه: أن يتهاون ببعض المعاصي كالغيبة والنميمة وغيرها، وأن تراه جاهلاً بأيسر الأحكام الشرعية، فلا يصلي الصلاة النبوية، التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) (23).

ولا يتوضأ الوضوء النبوي الذي قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من توضأ كما أُمر وصلى كما أُمر؛ غفر له ما تقدم من ذنبه)) (24).

تراه جاهلاً بأذكار الصباح والمساء، تراه مفرِّطاً في أمور يحفظها صغار الطلبة قبل كبارهم، فهذا من مداخل الشيطان، ولقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية (25) رحمه الله مِنْ أعرف الناس بواقعه، وكان مِنْ أدرى الناس بما يدور حوله من الدوائر، ولقد قامت في عهده فتن وحوادث ونوازل، لكنه طلب العلم وحصَّل جمًّا غفيراً من العلم، فبذلك أصبح يجد حل تلك الحوادث التي نزلت في مجتمعه ويدرك الجواب عنها في الكتاب والسنة، أو في أصول العلم وقواعده، ومهما دار الزمان واختلف الناس وتباعدت أقطارهم، فإنَّه ما أنزل الله من داء إلاّ وله دواء، ولم تنزل مصيبة أو نازلة إلاّ وفي الكتاب والسنة ما يُصلِحُها، وهذا أمرٌ لا يشك فيه اثنان.

* المعوق السابع: (تزكية النفس):

وتزكية النفس: أن يحب الشخص مدحَ نفسه، وأن يضفي على نفسه ألقاباً، وأن يفرح بسماع ثناء الناس عليه، ولا شك أن ثناء الناس عليك من عاجل بُشْراك؛ كما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يعمل عملاً فيراه الناس فيحمدونه، فقال عليه الصلاة والسلام: ((تلك عاجل بشرى المؤمن)) (26).

لكن الحذر كلَّ الحذر أن تُمدح بأمر ليس فيك وتفرح بذلك، فحذار حذار أن يكون هذا من شأني وشأنك، وتذكر قول الله تعالى في ذَمِّ قومٍ: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} (27).

ثم تذكر أنَّ تزكية النفس في الغالب مذمومة، إلا في بعض المواطن بضوابط شرعية، يقول ربنا عز وجل: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (28).

ويذم أهل الكتاب فيقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (29).

ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم)) (30).

نعم يحق للإنسان - كما سلف - أن يزكي نفسه في مواضع؛ كما قال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (31).

لكن الغالب أنَّ حب التزكية وحب الثناء من مداخل الشيطان على العباد، فالحذر أن تكون ممن يفرح ويدخله العجب إذا زُكِّي، بل ويحرص على أن يسمع تلك التزكيات!

وإذا أردت أن تعرف خطر حب التزكية: فانظر إلى تقصيرك في الطاعة، ثم انظر إلى ذلك الذي زكاك، أيا تُرى لو كان يعلم عنك ما خفي عنه وما تعمل من الأعمال التي لا ترضي الله عز وجل، لو أنَّها خرجت لهذا الرجل، أتراه يثني عليك؟

الشاهد من هذا: أن يحذر الإنسان من تزكية نفسه، وأن يحذر الإنسان من أن يُضفي على نفسه ألقاباً ليست له؛ لأن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.

* المعوق الثامن: (عدم العمل بالعلم):

عدم العمل بالعلم سبب من أسباب محق بركة العلم، ومن أسباب قيام الحجة على صاحب العلم، ولقد ذم الله من كان هذا شأنه فقال سبحانه: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (32).

فعدم العمل بالعلم سبب رئيس من أسباب محق بركة العلم، ولذا كان السلف أحرص الناس على العمل بما يعلمون:

فهذا الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) (33).

وهذا علي رضي الله عنه يقول: (يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلاّ ارتحل) (34).

لأنَّ العلم والعمل قرينان: إما أن يجتمعا أو يرتفعا معاً، وإن كان هناك علم بلا عمل فإنه حجة على صاحبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير