تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأهل العلم فيما مضى قد دونوا كثيرا من هذه الآداب في مصنفاتهم (في أدب العلم والتعلم) وفي (أدب الطالب مع شيخه) وفي (حقوق أهل العلم بعامة) والله جلّ وعلا قال في محكم كتابه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} قال والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يعني بعضهم يحبّ بعضا وينصر بعضا ويقيل عثرة بعض ومن أكثر أهل الإيمان حقا في الولاية والمحبة والنصرة أهل العلم لأنهم لما شهد الله جلّ وعلا لهم به هم أخصب أهل الإيمان لأنّ الله قرنهم بنفسه وملائكته بالشهادة له بالتوحيد حيث قال جلّ وعلا {شهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} فأولوا العلم من الناس هم الصفوة كما قال أيضا سبحانه {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فالله جلّ وعلا رفع المؤمنين على الناس جميعا (رفعهم درجات) ورفع أهل العلم من المؤمنين على أهل الإيمان عموما درجات فهم الخاصة وهم الصفوة لأنّ معهم من فهم كلام الله جلّ وعلا وفهم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جعل قلوبهم أكثر نورا من قلوب غيرهم لأنّ النور بالعلم والنور إنما هو بفقه القرآن والسنة {قد جاءكم من الله نور} من فقه القرآن وفقه السنة كان أعظم نورا في القلب وكان أعظم حقا لحقوق أهل الإيمان.

الملاحظ أنّ الحريص على الخير من الناس يسأل أهل العلم يسألهم في مسائل فقهية فيما يواجهه أو يسألهم في مسائل اجتماعية فيما يواجهه من مشاكل بيته في عمله أو نحو ذلك ويسأل المتعلم المعلم لكن وجدنا كثيرا من الأسئلة قد خرجت عما ينبغي من مراعاته من توقير أهل العلم من مراعاتهم وعدم الإخلال بحقهم فتجد أن من الناس من يخوض في سؤاله أهل العلم أمورا لا ينبغي أن يخوض فيها وأصل كثرة السؤال وكثرة المسائل قد جاء النهي عنها فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) قال: أهل العلم قوله كثرة مسائلهم يعني عما لم يقع وعما لم يأت بيانه في الكتاب المنزل ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ أشدّ المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين فحرّم عليهم لأجل مسألته)) وقد قال جلّ وعلا {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها} والأحاديث التي جاءت في النهي عن كثرة السؤال متعددة وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلها في القرآن وقد قال جلّ وعلا: {ويسألونك عن المحيض} {وإذا سألك عبادي عني} إلى آخر هذه المسائل مجموع ما سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم منه مقربون إنما هي ثلاث عشرة مسألة وكلها في القرآن وقد كان الصحابة من توقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن كراهتهم لكثرة المسائل يحبون أن يأتي الرجل من البادية ومن خارج المدينة حتى يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيستفيدوا من السؤال ومن الجواب وقد جاء أيضا في الحديث الصحيح: ((إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)) وقد قال أيضا الحجاج بن عامر الثمالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم وكثرة السؤال ... )) فالأحاديث دالة على أن كثرة الأسئلة لأهل العلم إنما ذلك داخل في المكروه إلا ما يحتاج إليه العبد فيما يأتي بضوابطه والله جلّ وعلا أمر المؤمنين بأن يسألوا إذا جهلوا وقد قال سبحانه وتعالى لما أنكر كفار قريش أن يكون الرسول بشرا رجلا وقالوا إن الرسول يجب أن يكون ملكا قال سبحانه وتعالى في سورة النحل {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر} {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} هذه الآية أمر الله جلّ وعلا فيها أهل الشرك كفار قريش وغيرهم أن يسألوا أهل الذكر يعني أهل الكتاب عما إذا كان الرسول الذي جاءهم بشر أم هو ملك؟ إذا كان الرّسول الذي جاءهم بشرا فاقبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لأنّه بشر قد خلت من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير