تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذًا ضابط عام، فيما تقرأ من كتب أهل العلم أنْ تتبين منهج المؤلف، فليس كلّ عالمٍ رجّح مسألة، تكون راجحة في نفس الأمر، بل لابدّ لرجحان مسألة، من صحة الدليل، ورجحان الاستدلال، من الفروق المهمة في قراءة كتب أهل العلم، وفي طلب العلم ألاّ يظنّ الظان أنّ الراجح في المسائل العلمية يكون راجحا لمجيء الدليل لقولٍ، وعدم مجيء الدليل لقول آخر، هذا قليل، وهذه هي المسائل التي تسمى مسائل الخلاف، هي ليس الكلام فيها، وإنّما أكثر الخلاف مجيء دليل، ينزع المجتهد الأول منه بوجه من الاستدلال، وينزع المجتهد الثاني منه بوجه استدلالٍ آخر، متى يكون الاستدلال راجحًا؟ ويكون القول في المسألة راجحًا؟ إذا كان الاعتراض على الاستدلال الأول أقل من الاعتراض على الاستدلال الثاني، تجد مثلا إذا نظرت مثلا في نيل الأوطار أو فتح الباري أو المجموع أو المغني، أو غير ذلك، ترى أنّ هذا الإمام ينزع من نفس الدليل إلى حكم، والآخر ينزع إلى حكم آخر من نفس الدليل، وهذا راجع إلى اختلاف المجتهدين، متى يكون القول راجحا؟ نرجح الأول أوالثاني؟! ليست المسألة مسألة أهواء ولا شهوات، يرجح ما كان الاعتراض عليه من القولين أقل، وإلاّ فلا تتصور أنّ ثمة مسائل كثيرة في العلم الراجح فيها راجح مطلق، بمعنى أنْ يكون الأول صوابًا تاما، والآخر غلطا تاما، هذا قليل في مسائل العلم، والأكثر أنْ يكون هذا عنده وجه استدلال، وهذا عنده وجه استدلال، لكن الاعتراض على أحد الاستدلالين أكثر من الاعتراض على استدلال الإمام الآخر، فيكون ما قلّ عليه الاعتراض راجحًا وما كثُر عليه الاعتراض مرجوحا.

الضابط الثالث: من الضوابط العامة في المنهجية، أنْ ينتبه طالب العلم، إلى المسألة التي يقرأها في فَهْم بلغةِ أهل العلم، وهذا يحتاج إلى شيء من التفصيل:

ذلك أنّ لغة أهل العلم، بها ألفت العلوم فمن نظر مثلا في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بما يفهمه من لغته الدارجة أو من لغة الجرائد أو من لغة الثقافة العصرية، فإنّه سيخطئ في كثير من المسائل، في فهمها، في فهم مراد شيخ الإسلام من كلامه، لأنّ أهل العلم على اختلاف العصور دونوا العلم بلغة العلم، لم يدونوا العلم بلغتهم في زمانهم حتى يتواصل العلم ويلحق الآخر بالأول في فهم العلم، فإذًا العلم له لغة، العلم له مصطلح، العلم له ألفاظ، يجب أنْ يفهم العلم بالوعاء الذي احتوته تلك الألفاظ، فالألفاظ وعاءٌ للمعاني فكل لفظ، في كتب أهل العلم لا يسوغُ أنْ يفهم بما عند القارئ من المقررات السابقة، لأنّه إذا فهمه على هذا الأساس فإنه سيفهم العلم على غير مراد أهله، وهذه مهمة جدًّا، وإنما تدرك بطلب العلم عند أهل العلم، كيف أو ما مراد العلماء في الفقه بهذه الكلمة؟ و هذه الكلمة؟ وهذه الكلمة؟ ما مرادهم في العقيدة بهذه الكلمة؟ وهذه الكلمة؟ وهذه الكلمة؟ ما مرادهم في النحو؟ إلى آخره.

فألفاظ العلم ألفاظ رعاها العلماء، وهكذا ينبغي على كل طالب علمٍ درّس أو تلقى العلم أنْ يجتهد في التعبير عن العلم بلغة أهله، فإنْ عبر عن العلم بغير لغة أهله، فإنّه لن يكون متصلا مع من سبقه بسبب وثيق، وكذلك من فهم كلام أهل العلم على غير ما تقرره لغة أهل العلم، فإنه لن يدرك.

الضابط الرابع من الضوابط العامة: أنّ كتب أهل العلم المطولة والمتوسطة والمختصرة، تحتاج من القارئ ومن طالب العلم إلى تدوين للمهم منها، فالقراءة وحدها غير مجدية، فلابد مع القراءة من تدوينٍ وكتابة، وكم سمعنا في كتب أهل العلم، وفيما خلّفوه مختصرات للكتب، تجد مثلا العالم الفلاني اختصر الكتاب الفلاني، واختصر الكتاب الفلاني، واختصر الكتاب الفلاني، لمَ؟

هل هو رغبة في الاختصار من حيث هو؟ لا، الاختصار نوعٌ فهمٍ للمختصر، ولذلك انتخاب طالب العلم من كتب أهل العلم ما ينفعه في فهم العلم هذا مهم فتأخذ مثلا في قراءتك في المختصرات أو في المطولات تأخذ الفوائد لتجعلها في كُنَّاشَةٍ مستقلة، في دفتر مستقل، وهذه الفوائد تترقى معك، بترقي عمرك في طلب العلم، فستجد يومًا ما بعد سنين عددا، أنّ ما كتبته في أول الطلب مع أنه كان عندك أعَزّ من بيضِ الأنُوق في الفائدة، ستجد أنّه لا شيء، لأنّه صار عندك واضحا جدا، بحيث إنك تقول كيف كتبت أول عمري هذه الفائدة فمثلا واحد يكتب الفرق بين السنة والمستحب،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير