ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 09:48 م]ـ
{6}
* فصل [محنة أصحاب الهمم العلية]
البلايا على مقادير الرجال. فكثير من الناس تراهم ساكنين راضين بما عندهم من دين و دنيا.
و أولئك قوم لم يرادوا لمقامات الصبر الرفيعة، أو علم ضعفهم عن مقاومة البلاء فلطف بهم.
إنما المحنة العظمى أن ترزق همة عالية لا تقنع منك إلا بتحقيق الورع و تجويد الدين، و كمال العلم، ثم تبتلى بنفس تميل إلى المباحات، و تدعي أنها تجمع بذلك همها، و تشفي مرضها، لتقبل مزاحه العلة على تحصيل الفضائل.
و هاتان الحالتان كضدين، لأن الدنيا و الآخرة ضرتان.
و اللازم في هذا المقام مراعات الواجبات، و ألا يفسح للنفس في مباح لا يؤمن أن يتعدى منه إعراض عن واجب ودع.
المبتلى يصيح، فلأن يبكي الطفل خير من أن يبكي الوالد.
و اعلم أن فتح باب المباحات ربما جر أذى كثير في الدين فأوثق السكر قبل فتح الماء، و البس الدرع قبل لقاء الحرب، و تلمح عواقب ما تجني قبل تحريك اليد و استظهر في الحذر باجتناب ما يخاف منه و إن لم يتيقن. [253]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 09:54 م]ـ
{7}
* فصل [يا طالب العلم تعهد قلبك]
رأيت الاشتغال بالفقه و سماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب، إلا أن يمزج بالرفائق و النظر في سير السلف الصالحين.
فأما مجرد العلم بالحلال, فليس له كبير عمل في رقة القلب, وإنما ترق القلوب بذكر رقائق الأحاديث وأخبار السلف الصالحين, لأنهم تناولوا مقصود النقل. و خرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها و المراد بها.
و ما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة و ذوق لأني وجدت المحدثين و طلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي و تكثير الأجزاء.
و جمهور الفقهاء في علوم الجدل و ما يغالب به الخصم.
و كيف يرق القلب مع هذه الأشياء؟!
و قد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته و هديه. لا لاقتباس علمه.
و ذلك أن ثمرة علمه هديه و سمته، فافهم هذا و أمزج طلب الفقه و الحديث بمطالعة سير السلف و الزهاد في الدنيا، ليكون سبباً لرقة قلبك.
و قد جمعت لكل واحد من مشاهير الأخيار كتاباً فيه أخباره و آدابه. فجمعت كتاباً في أخبار الحسن، و كتاباً في أخبار سفيان الثوري، و إبراهيم بن أدهم، و بشر الحافي، و أحمد بن حنبل، و معروف، و غيرهم من العلماء و الزهاد، و الله الموفق للمقصود. و لا يصلح العمل مع قلة العلم.
فهما في ضرب المثل كسائق و قائد، و النفس بينهما حرون، و مع جد السائق و القائد ينقطع المنزل، و نعوذ بالله من الفتور. [264]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:02 م]ـ
{8}
فصل [الحرص على الوقت]
أعوذ بالله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقاً كثيراً يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، و يسمون ذلك الترددخدمة، و يطلبون الجلوس و يجرون فيه أحاديث الناس و ما لا يعني، و ما يتخلله غيبة.
و هذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، و ربما طلبه المزور و تشوق إليه، و إستوحش من الوحدة، و خصوصاً في أيام التهاني و الأعياد. فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، و لا يقتصرون على الهناء و السلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان.
فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، و الواجب إنتهاؤه بفعل الخير، كرهت ذلك و بقيت معهم بين أمرين:
إن أنكرت عليهم و قعت وحشة لموضع قطع المألوف، و إن تقبلته منهم ضاع الزمان.
فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالاً تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغاً , فجعلت من الاستعداد للقائهم: قطع الكاغد و بري الأقلام، و حزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها. و لا تحتاج إلى فكر و حضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم , لئلا يضيع شيء من و قتي.
نسأل الله عز وجل أن يعرفنا شرف أوقات العمر، و ان يوفقنا لإغتنامه.
و لقد شاهدت خلقاً كثيراً لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، و كم تمر به من آفة و منكر.
و منهم من يخلو بلعب الشطرنج، و منهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين و الغلاء و الرخص، إلى غير ذلك.
فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر و معرفة قدر أوقات العافية إلا من و فقه و ألهمه اغتنام ذلك (و ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). [277]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:08 م]ـ
{9}
* فصل [طلب العلم أفضل من النوافل]
سبحان من من على الخلق بالعلماء الفقهاء الذي فهموا مقصود الأمر و مراد الشارع، فهم حفظة الشريعة، فأحسن الله جزاءهم.
و إن الشيطان ليتجافاهم خوفاً منهم، فأنهم يقدرون على آذاه و هو لا يقدر على أذاهم.
و لقد تلاعب بأهل الجهل و القليلي الفهم.
و كان من أعجب تلاعبه، أن حسن لأقوام ترك العلم، ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به.
و هذا ـ لو فهموه ـ قدح في الشريعة، فأن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "بلغوا عني".، و قد قال له ربه عز وجل: (بلغ).
فإذا لم يتشاغل بالعلم، فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق؟
و لقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد، كبشر الحافي، فإنه قال لعباس بن عبد العظيم: [لا تجالس أصحاب الحديث].
و قال لإسحاق بن الضيف: [إنك صاحب حديث، فأحب ألا تعود إلي].
ثم اعتذر فقال: [إنما الحديث فتنة، إلا لمن أراد الله به، و إذا لم يعمل به فتركه أفضل]، و هذا عجب منه.
من أين له أن طلابه لا يريدون الله به، و أنهم لا يعملون به؟
أو ليس العمل به على ضربين: عمل بما يجب، و ذلك لا يسع أحداً تركه.
و الثاني: نافلة و لا يلزم.
و التشاغل بالحديث، أفضل من التنفل بالصوم و الصلاة.
و ما أظنه أراد إلا طريقة في دوام الجوع و التهجد، و ذلك شيء لا يلام تاركه.
فإن كان يريد ألا يوغل في علوم الحديث، فهذا خطأ، لأن جميع أقسامه محمودة.
أفترى لو ترك الناس طلب الحديث كان بشر يفتي؟ [302]
¥