ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:13 م]ـ
{10}
* فصل [التكرار لازم للحفظ]
ما رأيت أصعب على النفس من الحفظ للعلم و التكرار له.
و خصوصاً تكرار ما ليس لها في تكراره و حفظه حظ، مثل مسائل الفقه، بخلاف الشعر و السجع، فإن لها لذة في إعادته و إن كان يصعب, لأنها تلتذ به مرة و مرتين.
فإذا زاد التكرار صعب عليها، و لكن دون صعوبة الفقه و غيره من المستحسنات عند الطبع، فتراها تخلد إلى الحديث و الشعر و التصانيف و النسخ لأنه يمر بها كل لحظة ما لم تره، فهو في المعنى كالماء الجاري، لأنه جزء بعد جزء.
وكذا من ينسخ ما يحب أن يسمعه أو يصنف، فإنه يلتذ بالجدة و يستريح من تعب الإعادة.
إلا أنه ينبغي للعاقل أن يكون جل زمانه للإعادة، خصوصاً الصبي و الشاب، فإنه يستقر المحفوظ عندهما استقرارا لا يزول.
و يجعل أوقات التعب من الإعادة للنسخ، و يحذر من تفلتها إلى النسخ عند الإعادة فيقهرها، فإنه يحمد ذلك حمد السرى وقت الصباح. و سيندم من لم يحفظ ندم الكسعي وقت الحاجة إلى النظر و الفتوى.
و في الحظ نكتة ينبغي أن تلحظ، و هو: أن الفقيه يحفظ الدرس و يعيده ثم يتركه فينساه فيحتاج إلى زمان آخر لحفظه، فينبغي أن يحكم الحفظ و يكثر التكرار ليثبت قاعدة الحفظ. [309]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:24 م]ـ
{11}
* فصل [خلوة حلوة]
ما أعرف نفعاً كالعزلة عن الخلق خصوصاً للعالم و الزاهد فإنك لا تكاد ترى إلا شامتاً بنكبة أو حسوداً على نعمة، و من يأخذ عليك غلطاتك.
فيا للعزلة ما ألذها، سلمت من كدر غيبة، و آفات تصنع، و أحوال المداجاة و تضييع الوقت.
ثم خلا فيها القلب بالفكر،بعدما كان مشغولا عنه بالمخالطة, فدبر أمر دنياه و آخرته.
فمثله كمثل الحمية يخلو فيها المعي بالأخلاط فيذيبها.
و ما رأيت مثل ما يصنع المخالط، لأنه يرى حالته الحاضرة من لقاء الناس و كلامهم فيشتغل بها عما بين يديه. فمثله كمثل رجل يريد سفراً قد أزف، فجالس أقواماً فشغلوه بالحديث حتى ضرب البوق و ما تزود. فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل و السلامة من شر المخالطة كفى.
ثم لا عزلة على الحقيقة إلا للعالم و الزاهد، فإنهما يعلمان مقصود العزلة و إن كانا لا في عزلة.
أما العالم فعلمه مؤنسه، و كتبه محدثه، و النظر في سير السلف مقومه، و التفكير في حوادث الزمان السابق فرجته.
فإن ترقى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه، و تشبث بأذيال محبته، تضاعفت لذاته، و اشتغل بها عن الأكوان و ما فيها.
فخلا بحبيبه، و عمل معه بمقتضى علمه.
و كذلك الزاهد، تعبده أنيسه، و معبوده جليسه، فإن كشف لبصره عن المعمول معه غاب عن الخلق، و غابوا عنه.
إنما اعتزلا ما يؤذي. فهما في الوحدة بين جماعة. فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق، و سلم الخلق من شرورهما.
بل هما قدوة للمتعبدين، و علم للسالكين. ينتفع بكلامهما السامع، و تجري موعظتهما المدافع، و تنتشر هيبتها في المجامع.
فمن أراد أن يتشبه بأحدهما فليصابر الخلوة و إن كرهها، ليثمر له العسل. و أعوذ با الله من عالم مخالط للعالم، خصوصاً لأرباب المال و السلاطين، يجتلب و يجتلب و يختلب، فما يحصل له شيء من الدنيا إلا و قد ذهب من دينه أمثاله.
ثم أين الأنفة من الذل للفساق؟
فالذي لا يبالي بذلك هو الذي لا يذوق طعم العلم و لا يدري ما المراد به، و كأنه به و قد وقع في بادية حرص و قفر مهلك في تلك البراري.
و كذلك المتزهد إذا خالط و خلط، فإنه يخرج إلى الرياء و التصنع و النفاق فيفوته الحظان، لا الدنيا و نعيمها تحصل له و لا الآخرة.
فنسأل الله عز وجل خلوة حلوة، و عزلة عن البشر لذيذة يستصلحنا فيها لمناجاته، و يلهم كلا منا طلب نجاته. إنه قريب مجيب. [311]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 10:30 م]ـ
{12}
* فصل [لا تقصر همتك في فن واحد]
قد ثبت بالدليل شرف العلم و فضله، إلا أن طلاب العلم افترقوا، فكل تدعوه نفسه إلى شيء.
فمنهم من أذهب عمره في القراءات، و ذلك تفريط في العمر، لأنه إنما ينبغي أن يعتمد على المشهور منها لا على الشاذ.
¥