تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إننا لا نرفض التجديد، ولا يرفضه مثقف لديه أدنى قدر من الوعي بحركة الحياة ومسيرتها الحتمية نحو التطور، لكننا نرفض التغريب الذي يستهدف تذويب هذه الأمة والقضاء على كيانها وهويتها والتنكر لوجودها وأصالتها، تحت ستار العالمية، نرفض هذه الفوضى الضاربة بأطنابها في كل مكان، في الساحة الأدبية الثقافية، فوضى باسم الإبداع، وفوضى باسم النقد، وانغلاق دائرة التواصل بين حملة الأقلام من جانب والقراء من جانب آخر، فالشعار المرفوع الآن على الساحة الأدبية: "إذا أردت أن تنضم إلينا فاكتب ما لا يفهم وقل ما لا يفهم" انغلاق في الإبداع، وانغلاق في النقد، وانغلاق في الدراسات اللغوية؛ فهناك مجلات تكتب بلغة خاصة، وكتب تؤلف بلغة خاصة، لغة فيها غموض وإيهام، ورموز وطلاسيم، ورداءة وتكلف، وركاكة باردة، وألفاظ متنافرة، ومعان سخيفة ساذجة.

وثمة كلمة أخرى للمستشرق الفرنسي الشهير شارك بيلاّ فيها: "أنا أقرأ الأدب العربي القديم وحده ولا أقرأ الحديث؛ لأنه أدب أوروبي مكتوب بحروف عربية".

ونقول لأدبائنا ونقادنا ممن يسيرون هذا المسار: إذا كان الكتاب المقدس هو العمود الفقري للآداب الأوربية في شتى عصورها كما يقول عبد الواحد لؤلؤة، فلماذا انصرفتم عن كتابهم المقدس القرآن الكريم الذي أعيا البلغاء والفصحاء عن أن يأتوا بمثله! لماذا تنكرتم له وخلفتموه وراءكم ظهريا، لماذا سلكتم في الدعوة إلى الكفر والإلحاد شعابا، والتشكيك في الدين طرائق قددا، منها الطعن في اللغة الجاهلية من منظوم ومنثور، وقذف رواتها بخلق الإفك وشهادة الزور، ودعوة الناطقين باللسان العربي المبين إلى هجر أساليب الأولين، واتباع أساليب المعاصرين، واستبدال اللغة العامية بلغة القرآن المضرية؟! إن الغرض من هذا وذاك هو صد المسلمين عن هداية الإسلام، وعن الإيمان بإعجاز القرآن، فإن من أوتي حظا من بيان هذه اللغة، وفاز بسهم رابح من آدابها، حتى استحكمت له ملكة الذوق فيها، لا يملك أن يدفع عن نفسه عقيدة إعجاز القرآن ببلاغته وفصاحته، وبأسلوبه في نظم عبارته.

إن هؤلاء يريدون من الأديب العربي أن يكفر بأدب لغته التليد، ويترك السبح في بحارها، والاقتباس من أنوارها، وينسلخ من سليقته العربية، ويتبرأ من فطرته الإسلامية، ويتكلف تقليد الغربيين في ترك القوافي والأوزان العربية، ويتنحل المعاني اللاتينية الإغريقية، فيكون في عداد المجددين، ويهدم ما استطاعة مما لأمته من لغة وأدب ودين.

ومن الغريب أن عمدة دعاة الزندقة في هدم مقومات هذه الأمة ومشخصاتها وصفها بـ (القديمة)، وشبهتهم أن كل قديم فهو قبيح يجب تركه، ومن المعلوم بداهة أن حسن الأشياء وقبحها الحقيقيين في ذاتها وفائدتها، لا في قدمها وجديتها، وما من قديم إلا وقد كان جديدا، ولا جديد إلا وسيكون قديما، ومن لا قديم له لا جديد له؛ بل لا وجود له، وإنما الأمم بتاريخها، ومَثَلُ من يحاول هدم تاريخ الأمة لأجل تجديدها كمثل من يحاول هدم بنية كل فرد منها ليجدد له بنية أحسن منها، نَعَم كل حي يحتاج من حين لآخر إلى جديد يكون مددا لقديمه لا هادما له، ومصلحا لما فسد منه، ومن عجيب أمر هؤلاء أننا نراهم يدعون انتحال ما هو أقدم مما يذمون من قديم أمتهم كالأدب الإغريقي، والشعر الإغريقي، الذي هو دون الأدب والشعر العربي الجاهلي والإسلامي، والحق أن كلمة الجديد والتجديد كلمة خادعة للشباب الناشئ، مستهوية لخيالهم، لأنهم لا يريدون إلا جعل هذه الأمة لقمة سائغة لسادتهم المستعمرين، بتقطيع ما يربط بعضها ببعض من لغة وأدب وتشريع ودين.

المراجع:

- مجلة البيان-العدد 134 شوال 1419 - فبراير 1999 (ص: 38).

- مختار المنار لعبد العزيز آل الشيخ (3/ 46).

- البحث عن المعنى لعبد الواحد لؤلؤة (ص: 97).

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير