تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المتنبي شاعر العربية]

ـ[منتظر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 11:34 م]ـ

[المتنبي شاعر العربية]

أبو الطيب المتنبي شاعر ملا القراطيس اسمه وشعره كما ملأ الصدور على مر العصور فقال بحقه ابن رشيق مالئ الدنيا وشاغل الناس , فشعره ملأ جميع أرجاء البلاد العربية في الماضي وفي الحاضر.

لم يظفر ديوان شاعر في القديم والحديث بما ظفر به ديوانه من القراءة و العناية والشرح؛ فاشتهر اسمه في كل أفق , وهو القائل واصفا قوة أدبه و شاعريته:

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

فلم يشتهر شاعرا جاهليا ولا إسلاميا ولا مولد ولا حديث كشهرته. وهذه أدت إلى أن تؤلف حوله المؤلفات. مع اختلاف وجهات نظر النقاد في حكمهم على شعره فانقسموا على فريقين:-

الأول:- لا يراه شيئًا ويتتبع سقطاته؛ ومنهم أبو هلال العسكري صاحب الصناعتين ومنهم الصاحب بن عباد في كتابه الكشف عن مساوئ المتنبي، والعميدي في كتابه الإبانة عن سرقات المتنبي وغيرهم.

الثاني:- فتصدى لهذه التهم، فدافع عن شعره، وفنه كالقاضي الجرجاني في كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه , والثعالبي في يتيمة الدهر وغيرهما كثير.

لا يخلو اي كتاب في النقد او الادب أو البلاغة او اللغة من شعره إلا نادرا لأنه اختار طريقا وسطا في شعره من بين اكابر شعراء العربية وهم ابي تمام والبحتري فلم يبالغ في المعاني كما فعل أبو تمام ولم يصب كل جهده حول اللفظ كما كان البحتري فنقاد الطائيين رضوا عنه من هذا الجانب.

لم يكونوا علماء العربية أغبياء عندما صرحوا بعباراتهم حول إعجابهم به ,بل على دراية ودراسة فهذا الجرجاني يعتبر أساس جودة شعره خلقه للصور الشعرية وفي الثقل الموسيقي لكلماته مع سهولة الفهم.

نظر المعري بعين الرضا و الإعجاب إليه واعتبر ان جمال أبياته هو عيار الصدق وحسن النظام وان تسمية شرح ديوانه بمعجز احمد خير دليل على مدى إعجابه به.

وهذا الحاتمي يقول ان استعماله للأغراض الفلسفية والمعاني المنطقية غاية الفضل والنبل لأنه زاد على الفلاسفة والمتكلمين بالإيجاز والبلاغة والألفاظ الغريبة ,وهذا يدل على ثقافته الفلسفية. فقد أورد الحاتمي مئة مقولة لأرسطو يحوكها المتنبي شعرا ومنها قوله في قول أرسطو (وأقبح الظلم حسدك لعبدك الذي تنعم عليه) فقال المتنبي

وَأظلَمُ أهلِ الظّلمِ مَن باتَ حاسِداً

لمَنْ بَاتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلّبُ

ولم يرض بعض النقاد بذلك منهم الثعالبي الذي يقول ومن عيوبه خروج شعره إلى الفلسفة , وكذا بن رشيق الذي عد الفلسفة باب مخالف للشعر لا يجوز وقوع شئ منه في الشعر.

وأبو الطيب تعمد إلى استخدام الألفاظ الغريبة والنادرة ليدل على تمكنه وتمعنه من اللغة فان اللفظة مختارة في شعره اختيارا مما جعله يركب الخشن. فنقده الحاتمي على استخدام كلمة جفخت بمعنى افتخرت في قوله:-

جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ

شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ

تجنب الشاعر الايطاء في شعره وابن فورجة يقول كيف يوطئ وهو يتجنب تكرار اللفظة في حشو البيت.

جاءت قصائده متوسطة الطول ليتجنب التكرار في المعاني والصور فعمد إلى الإيجاز والتكثيف في البيت الواحد لكي يؤثر في متلقيه تعمد على الأوزان الطويل والكامل فأول قصيدة قالها من البسيط ليدل على تمكنه من الشعر فقال:-

أبْلى الهَوَى أسَفاً يَوْمَ النّوَى بَدَني

وَفَرّقَ الهَجْرُ بَيْنَ الجَفنِ وَالوَسَنِ

ونلاحظ الموسيقى الخفية التي يولدها الحرف المذقل السهل وهو النون حيث تكرر ست مرات مع التنوين ويظهر مدى تمعن الشاعر في المفردة واشتقاقاتها في قوله:-

وَمن جاهلٍ بي وَهْوَ يَجهَلُ جَهلَهُ

وَيَجْهَلُ عِلمي أنّهُ بيَ جاهِلُ

فقَلْقَلْتُ بالهَمّ الذي قَلْقَلَ الحَشَا

قَلاقِلَ عِيسٍ كُلّنّ قَلاقِلُ

غَثَاثَةُ عَيشي أنْ تَغَثّ كَرامَتي

وَلَيسَ بغَثٍّ أنْ تَغَثّ المَآكلُ

إن تكرار الحرف له اثر كبير في الموسيقى الداخلية للبيت الشعري.

كان المتنبي ذو عزة فيروى انه كان يخاطب الأمراء دون مهابة مخاطبة الصديق للصديق والند للند. ورد أنه كان ينشد الشعر جالسًا أمام سيف الدولة. وقال مادحا لسيف الدولة في قصيدة تعتبر من روائع الشعر العربي ومنها:-

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصّغير صغارها

وتصغر في عين العظيم العظائم

وقفت وما في الموت شكٌّ لواقفٍ

كأنّك في جفن الرّدى وهو نائم

تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمةً

ووجهك وضّاحٌ وثغرك باسم

نثرتهم فوق الأحيدب كلهِ

كما نثرت فوق العروس الدراهم

قال سيف الدولة: قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرئ القيس قوله:

كأنَي لم أركبْ جَواداً للذَّة

ولم أتبطَّنْ كاعباً ذات خَلْخال

ولم أسْبأ الزَّقَّ الرَّوي ولمَ أقلْ

لخيلي كَرُى كَرَّةً بعد إجفالِ

مولانا يعلم أن الثوب لا يعلمه البزاز كما يعلمه الحائك لأن البزاز يعلم جملته، والحائك يعلم جملته و تفاصيله، وإنما قرن امرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، والشجاعة في منازلة الأعداء بالسماحة في شراء الخمر للأضياف للتضايف بين كل من الفريقين، وكذلك لما ذكرت الموت في صدر البيت الأول أتبعته بذكر الردى في آخره ليكون أحسن تلاؤماً، ولما كان وجه الجريح المنهزم عبوساً، وعينه باكية قلت: " ووجهك وضاح وثغرك باسم "، لأجمع بين الأضداد في المعنى. فأعجب سيف الدولة كلامُه. و ما أجمل الصورة الشعرية في البيت الأخير. وعند قراة الأبيات الثلاث الأولى لا نحس بأي تكلف رغم كثرة الطباق فيها.

فهل هو حقا شاعر العربية الكبير؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير