تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الأدب العربي الحديث والتنكر للتراث]

ـ[عصام]ــــــــ[31 - 03 - 2010, 04:55 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[الأدب العربي الحديث والتنكر للتراث]

بقلم: عبد المجيد بن محمد أيت عَبُو

ظهر في العالم العربي في ربع القرن الأخير جيل جديد من الأدباء والنقاد يفيد من إنجازات النقد الغربي المعاصر، ويتبناها ويبشر بها، مديراً ظهره إلى التراث العربي الذي أنجزته أمته خلال خمسة عشر قرناً، ويدعو إلى قطع كل صلة بالمنجز النقدي والأدبي العربي القديم، ويهرف بما لا يعرف، ويكتب أدبا غير مفهوم؛ سائراً في تيار الحداثة الغربي، ولا يكُفّ بعض هؤلاء عن معاداة عقيدة الأمة، والطعن في نصوح الوحيين اللذيْن يعوقان مشروع التجديد في زعمهم وفي مفهومهم الذي يعني الانحياز إلى إنجاز العقل والتنوير، وكأن الإسلام أو الوحي يُعادي العقل الحقيقي أو يدعو للظلام. فهؤلاء يرون أن الدين تجربة مجتمع، ونتاج ظروف وبيئة معينة، ويرون أن الاجتهاد الذي تحتاجه ثقافتنا العربية هو الجهد البشري المطلق من كل قيد، الذي لا علاقة له بالنصوص. كما أنهم يسعون إلى تحسين وتزيين مصطلحات خسيسة زائفة لا علاقة لها بالإسلام؛ فهي إما كَنِيسِيّة المصدر، أو ملحدة، كمصطلحات: الحتمية، والعقلنة، والأصولية، والتنوير، والحداثة، والعلمنة، والمعاصرة، ونشرها على الألسن حتى تصيرَ مستساغة مقبولة، وتجدَ بين المسلمين من يدعو لها.

إن هذا التيار المشؤوم واجه التراث العربي القديم مواجهة عنيفة؛ إما برفضه بالكلية واعتباره من مخلفات عصور الظلام والانحطاط والتخلف -كما عند غلاة العلمانية- أو بإعادة قراءته قراءة عصرية -كما يزعمون- لتوظيفه توظيفاً علمانياً من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية، ولغة عربية، وأعراف اجتماعية. ولعل من الأمثلة الصارخة للرافضين للتراث، والمتجاوزين له: كاهن الحداثة أدونيس، و محمود درويش، والبياتي، وجابر عصفور، وفؤاد زكريا، والطيب تيزيني، ومن سلك دربهم وشايعهم.

أما الذين يسعون لإعادة قراءته وتأويله وتوظيفه فمن أشهرهم: حسن حنفي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وحسين أحمد أمين، ومن على شاكلتهم، ولم ينج من أذاهم شيء من هذا التراث في جميع جوانبه.

وقد يعجب القارئ حين يتبين له أن أولئك الغربيين الذين يفتخر بهم هذا التيار الحداثي، ويعتز بهم في كل مجلس ومحفل، من المثقفين الأوروبيين والمستشرقين وغيرهم، لهم موقفهم الساخر المستَغْرَب من ركام ما سموه بالشعر الحر، وغيره من أدب التغريب: يقول المستشرق الإيطالي إيجنازيو سيلوني للأدباء العرب: "إن الطبيعة تأبى أن تعترف بأدب عام لأقوام اختلفت أمزجتهم وعقلياتهم، وتفاوت ميراثهم النفسي والحضاري، ولهذا نود أن نقرأ أدبكم عربياً متميزاً؛ لأنه إنما يأخذ مكانته أدباً عالمياً بتفرده وأصالته".

فعبارة هذا المستشرق هي أبلغ ردّ على دعوى العالمية البلهاء التي يدّعيها الحداثيون سواء في الشعر أم في النثر، ويسوّغون بها مسلكهم الشائن في التغريب، وسقوطهم كالذباب على موائد الغرب. فالأدب لا يكون عالمياً بالمحاكاة الفجة، ولكن بالتفرد والأصالة. والأديب العربي لا يكون عالمياً إلا بأصالته العربية.

وثمة مقولة أخرى صدرت عن الناقد الإنجليزي ستيفن سبندر عندما حضر مؤتمر الأدب العربي المعاصر لذي انعقد بروما في أوائل الستينيات، فقد استمع سبندر إلى أدونيس، وهو يلقي كلمة يدعو فيها صراحةً إلى هدم القديم، يومها وصف سبندر كاهن الحداثيين المارق بالتطرف، ووضع أمامه نماذج للتجديد والمجددين في الأدب الإنجليزي الحديث، وكيف أن هذه النماذج المجددة قد بدأت من أرضية الأصالة؛ فالشاعران: إليوت، وماثيو أرنولد وهما من الشعراء الكبار، وهما في الوقت نفسه ناقدان أصيلان، لم يهملا التراث الشعري القديم، بل هضماه هضماً، وأبقيا منه ما هو جدير بالبقاء، ثم زادا عليه، فجاء الشعر عندهما مبنياً على أسس متينة وجذور عميقة، ثم انتهى الناقد الإنجليزي إلى أن وصف منحى أدونيس ويوسف الخال بالتطرف والضياع وعدم الحكمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير