تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المدينة والشاعر]

ـ[السراج]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 10:04 ص]ـ

سألتُ مرةً صديقاً تونسياً: ما الذي جعل الشابي شاعراً؟

فأجاب: قريتُه الساحرة ..

ربطتُ قوله بما قال نقّاد العصور في رهافةِ حِسّ البحتري وشاعريتِه الطاغية، وعذوبة كلماته، فتتبعوا أثرَه ومنبعه ومكان رعايته فكانتْ (منْبَج)!

ومن لا يُخالجُه جمال الشعور وهو يرى حمامةً تنوحُ على غُصنها الميّاد، حتماً إن الذاكرة تسعفه إلى أرفف الحروف وأماكن القطوف وحصراً إلى خطاب الأسير ابن (منْبَج) إلى حمامته:

أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا لو تشعرين بحالي

معاذ الهوى ما ذقتِ طارقة النوى ... ولا خطرت منك الهموم ببالي

أتحمل محزون الفؤادقوادم ... على غصن نائي المسافة عالي

أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمكِ الهموم تعالي

تعالي تري روحا لدي ضعيفة ... تردد في جسم يعذب بالي

لكن رغم ذلك فمدينته أجّجتْ فيه (حبّ الغير) مهما استطار الذنب، فإنه يرشفه برشفات من عِتاب رقيق تذوب كالثّلج في أنفس المقصود؛ تماماً كما يخاطب الحمامة.

أقرُّ لهُ بالذنبِ؛ والذنبُ ذنبهُ ... وَيَزْعُمُ أنّي ظالم فَأتُوبُ

وَيَقْصِدُني بالهَجْرِ عِلْماً بِأنّهُ ... إليَّ، على ما كانَ منهُ، حبيبُ

و منْ كلِّ دمعٍ في جفوني سحابةٌ ... و منْ كلِّ وجدٍ فيحشايَ لهيبُ

وقرأتُ يوماً لعمر أبي ريشة هذه الأبيات:

وتلاقينا غريبين هنا ... لم تكن أنتَ ولا كنتُ أنا

بدلت منا الليالي وانتهى ... عبث الكأس وإغراء الجنى

موسم الوردأخذنا عطره ... وتركنا فيه غصنا لينا

وافترقنا ونأى العهد بنا ... ونسيناوتناستنا المنى

لا تثر ذكرى هوانا ربما ... نفرت عن مقلتيّالوسنا

آن للنعش الذي أودعته ... كل أشلاء الصبا أن يدفنا

امض مندربي فما أحسبه ... في خريف العمر إلا هينا

ولمّا تتبعتُ منبعه (كما فعلوا مع البحتري) وجدتُ طريقي – كذلك - إلى (منْبَج)

ما الذي تغذّيه المدينة هذا الشاعر كي يرقّ لفظُه، ويحسُن كلامُه، وينْظُمُ منطقُه شِعرا؟ وماذا تضيف وتتميز عن غيرها حتى يخرجُ من رحِمها شاعراً؟. وما دور المتلهفون من البشر – الذين جُبلوا على الفرح بمولد شاعر – في روابطهم الاجتماعية والنفسية واللقاءات الأدبية الدائمة؟

كل هذه تساؤلات سيطرت على مجموعة الأفكار وأخذت بزمامها رهائنَ ريثما تجدُ جواباً ..

يبدو إن للماء سِحرٌ خاص، ولانسيابه بين خصاص صخورٍ تزّينت بنحوتها التي لامستها أيدي الرياح وريشة الماء، ثم لاخضرار الروابي وعلوّها دور في اتساع بل رشف رحيق الحروف منها وتكوينها في قالبٍ أرقّ.

اطلعتُ قبل أيام على صورٍ لهذه المدينة (منْبَج)، حرّكت قراءاتي لقصائد شاعري (البحتري) بحثاً عن لمسة من تأثير وتركٍ لأثر خطوة مرّ بها في موطن جميل وأطار فيه حمائمه شعراً.تلك الصور – على حداثتها – إلا أنها تسوقُ الخيال لتذكر أزمنة أخرى.

(للحديثِ بقية)

ـ[أحاول أن]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 11:57 ص]ـ

ما أروع هذا السبك!

ولا عجب في تأثير الجغرافيا على النفس، فابن خلدون يقول صف لي أرضا أصف لك أهلها.

شكرا لقلمكم الساحلي الجميل

وبانتظار البقية

ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 07:35 م]ـ

لا عجب في تأثير البيئة على الشاعر!

الناظر إلى جمال الأندلس على سبيل المثال لن يستغرب رقة الشعر الاندلسي وعذوبته

طرح جميل أخي السراج.

ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 07:37 م]ـ

سألتُ مرةً صديقاً تونسياً: ما الذي جعل الشابي شاعراً؟

فأجاب: قريتُه الساحرة ..

ربطتُ قوله بما قال نقّاد العصور في رهافةِ حِسّ البحتري وشاعريتِه الطاغية، وعذوبة كلماته، فتتبعوا أثرَه ومنبعه ومكان رعايته فكانتْ (منْبَج)!

ومن لا يُخالجُه جمال الشعور وهو يرى حمامةً تنوحُ على غُصنها الميّاد، حتماً إن الذاكرة تسعفه إلى أرفف الحروف وأماكن القطوف وحصراً إلى خطاب الأسير ابن (منْبَج) إلى حمامته:

أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتا لو تشعرين بحالي

معاذ الهوى ما ذقتِ طارقة النوى ... ولا خطرت منك الهموم ببالي

أتحمل محزون الفؤادقوادم ... على غصن نائي المسافة عالي

أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا ... تعالي أقاسمكِ الهموم تعالي

تعالي تري روحا لدي ضعيفة ... تردد في جسم يعذب بالي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير