تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مُسلم]ــــــــ[15 - 05 - 2010, 02:11 م]ـ

صلاح عبد الصبور

الحلم والأغنية

لا لم يمت ...

وتظل أشتات الحديث، ممزقات في الضمائر،

غافياتٍ في السكينه

حتى تصير لها من الأحزانِ أجنحةُ ُ،

تطير بها كلاماً مرهقاً، يمضي ليلقفه الهواء

يرده، لترنَّ في جدران دورِ مدينةِ الموت الحزينه

أصوات أهليها الذين نَبَتْ بهم سُرُرُ البكاء

يتجمعون على أرائك السمر الفقير،

معذبين ومطرقين

الدمع سقياهم، وخبزهم التأوه والأنين

يلقون - بين الدمعتين - زفيرَ أسئلةٍ،

تخشخش مثل أوراق الخريف الذابلات

هل مات من وهب الحياة حياته؟

حقاً! أماتْ؟

ماذا سنفعل دونه

ماذا سنفعل بعده

هل مات؟

تتجمع الكلمات حول اسمٍ سرىَ كالنبض في شريانهم

عشرين عاماً ..

كان الملاذَ لهم من الليل البهيم

وكان تعويذَ السقيم

وكان حلمَ مضاجع المرضى، وأغنيةَ المسافر في الظلام

وكان مفتاحَ المدينة للفقير يذوده حرس المدينة عن حماها

وكان موسم نيلها

يأتي فينثر ألفَ خيطٍ من خيوط الخصب،

تورق في رباها

وكان من يحلو بذكر فعاله في كل ليله

للمرهقين النائمين بنصف ثوب، نصف بطن

سمر المودة والتغني والتمني والكلام

والآن أصبحَ كلُّ لفظٍ خنجراً، ولكل أمنية عذاب

هل مات، واحزناه

آه لو يعود لبرهة. ويجيل نظرته،

ويكشف عن غٍد بعض الضباب

أواه!

لكن كيف آب إلى التراب، ولم يحنْ وقت الإياب

وتقودنا الذكرى الصموت إلى عميق نفوسنا الملأى

وتختلج الظلال

ونهيم في كنا وكان

ويعود ذياك الزمان

ونروح في استرخاءةِ الموجوعِ

ننشر عمرنا في ظله يوماً فيوما

الصفحة الأولى، وكان مجيئه وعداً من الآجال

لا يوفي لمصر ألف عام

والليل ممدود السرادق فوقنا ظُلمُا وظُلْماَ

والثورة الكبرى توهُّمُ واهمٍ ورؤى خيال

حتى طلعتَ، طلعتما، الثورة الكبرى وأنتَ ..

كأن مصر الأمَّ كانت قد غفتْ،

كي تستعيد شبابها ورؤى صباها

وكأنها كانت قد احترقتْ لتطهرَ ..

ثم تولد من جديد في اللهيب

وخرجتَ أنتَ شرارة التاريخ من أحشائها

لتعود تشعل كلَّ شئ من لظاها

ونعيش في أيامنا الملأى بصوتك منشداً لغة رخيمه

كي يوقظ الموتى من الأجدادِ،

يدعو من ركام العالمِ المدفونِ أطيافَ انتصاراتٍ قديمه

لتعود للوادي،

وتبعث في ثرى مصر الجديدة والعظيمه

ونعيش في أيامنا الملأى بيومك واسعاً كالأمنيات

وضِّيقاً بالصخر والشوك المدمى والرماد

أيامنا الملأى بأصداء انتصارِكَ

رمحنا المسنونُ جاز مداه منتصراً، وعاد

أيامنا الملأى بأوجاعِ انكسارِكْ

أُحُدُ ُوبدرُ ُشارتان على رداء محمد، عاش الجهاد

لا، لم نكن نحيا كما يحيون، أياماً نُقَضِّيها إلى يوم المعاد

بل كان ما نحياه تاريخاً، كأروع ما تكون ملاحم التاريخ

ساحُ ُترن بها أغاني المجد مرعدةً، وحمحمة الجياد

ونعيش في أيامنا الملأى بوقع خطاك في الوادي الأمين

إذ كنتَ فرحتنا الكبيرة، حين تمسك في يديك الحلم،

تنثر منه فوق أَسِرَّةِ الأطفال والمستضعفين

أو في نواحي بيت مصر على رءووس شبابها المتجمعين

إذ كنت تجعلهم يمدون الرقاب،

وتشرئب عيونهم نحو السماء

ويُمَدُّ حبلُ الأمنيات لكي يصيد الشمس من عليائها

حتى لنطمح أن نقسم نورها قطعاً على أحبابنا

ونعيد ماطمر الزمان، وأخلفت عدة السنين

ونعيش في أيامنا الملأى بصورتك التي عاشت على أهدابنا

عشرين عاما

نلقاك شاباً في رداء الحرب تنفخ في النفير

كي توقظ الأشلاء، تجمع شمل مصر المسترقه

كانت على مجرى الزمان تمزقت قطعاً،

فَطُفْتَ على مسار النيل تجمعُ مزقةً في إثر مزقه

حتى نهضتَ، نهضتما، ألقيتما التابوت في لهب السعير

وعدتما في خير رفقه

نلقاك كهلا أشيب الفودين في سن النبوه

تعلي مواثيق الأخوه

وتضم في عينيك توق النيل للأنهار،

يلغط أهلها بلغى العروبه

وتؤلف المدن القريبه

كانت قد اختلفت وغيرها الزمان،

وأصبحت مدناً غريبه

نلقاك في الخمسين أكثر حكمة وأشد حزنا

الأقرباء تباعدوا وتباغضوا،

والنصر أخلف وعده، والله يلهمنا الطريق،

يشد أزر المؤمنين

الله، يا هولَ السنين ..

المحنة الكبرى، ووجهك غائب ..

والليل يوغل والشجون ..

هل متَّ .. لا!!

بل عدت حين تجمَّعَ الشعب الكسير وراء نعشك

إذ صاح بالإلهامِ:

مصر تعيش ..

مصر تعيش .. أنت إذن تعيش،

فأنت بعضُ ُمن ثراها

بل قبضةُ ُمنه تعود إليه،

تعطيه ويعطيها ارتعاشتها،

وخفق الروح يسري في بقايا تربها، وذِمَا دماها

مصر الولود نمتكَ، ثم رعتكَ،

ثم استخلفتكَ على ذراها

ثم اصطفتكَ لحضنها، لتصير أغنيةً ترفرف في سماها

ـ[مُسلم]ــــــــ[15 - 05 - 2010, 02:15 م]ـ

محمود درويش

الرجل ذو الظل الأخضر

نعيش معك

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت ..

نحاول أَلاَّ نموتَ معك

ولكن،

لماذا تموت بعيداً عن الماء

والنيل ملء يديك؟

لماذا تموت بعيدا عن البرقِ

والبرق في شفتيك

وأنت وعدت القبائل

برحلة صيف من الجاهليه

وأنتَ وعدتَ السلاسل

بنار الزنود القويه

وأنت وعدت المُقَاتل

بمعركة .. تُرجع القادسيه

نرى صوتك الآن ملء الحناجر

زوابع .. تلو .. ذوابع

نرى صدرك الآن متراس ثائر

ولافتةً للشوارع

نراك

نراك

نراك.

طويلاً

.. كسنبلة في الصعيد

جميلاً

.. كمصنع صهر الحديد

وحرا ..

كنافذة في قطار بعيد ..

ولستَ نبيا

ولكنَّ ظلك أخضرْ

أتذكر؟

كيف جعلت ملامح وجهي

وكيف جعلت جبيني

وكيف جعلت اغترابي وموتي

أخضر ... أخضرَ ... أخضرْ

أتذكر وجهي القديم؟!

لقد كان وجهي يُحنط في متحف انجليزي

ويسقط في الجامع الأموي

متى يا رفيقي؟

متى يا عزيزي؟

متى نشتري صيدليه

بجرح الحسين .. ومجد أميه

ونبعث في سد أسوان خبزاً وماء

ومليون كيلو من الكهرباء.؟

أتذكر؟

كانت حضارتنا بدويا جميل

يحاول أن يدرس الكيمياء

ويحلم تحت ظلال النخيل

بطائرة .. وبعشر نساء

ولست نبيا

ولكنّ ظلك أخضر ..

نعيش معك

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت ..

نحاول أَلاَّ نكون معك

ففوق ضريحِكَ ينبتُ قمح جديد

وينزل ماء جديد

وأنت ترانا

نسير ... نسير ... نسير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير