تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتبين مما يرويه الاخباريون انه كان هناك طائفة من العرب أحجمت عن الوثنية والصابئة والمجوسية وغيرها من الديانات غير السماوية التي انتشرت في بلاد العرب، واتخذت من عقيدة ابراهيم الخليلي دينًا لها، وهو الدين الذي يدعو إلي عبادة الله الواحد الأحد، وقد عرف هؤلاء بالأحناف لقوله تعالي: «حنفاء لله غير مشركين به» وهم الذين تجنبوا الناس، وطاف بعضهم في الأرض بحثًا عن دين ابراهيم الحنيف، وكانوا يقضون أيامهم ولياليهم في تأمل الكون الذي يعيشون فيه، وقد تجنبوا فعل المنكرات، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم، ولا يحضرون الذمة ولا يظلمون فيها.

وهناك إشارات تحملها النصوص والروايات العربية إلي انتشار الحنفية بين أبناء جهينه، ويذكر محمود شكري الألوسي في كتابه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب» ان ممن اشتهر منهم عمير بن جندب الجهني .. وكان هذا الرجل ممن يوحد الله تعالي في الزمن الجاهلي ولا يشرك بربه أحد، .. وله قصة عجيبة ذكرها صاحب القاموس فقال: «روينا عن إسماعيل بن أبي خالد قال: مات عمير بن جندب من جهينه قبيل الإسلام فجهزوه بجهازه، إذا كشف القناع عن رأسه فقال أين الفصل «أحد بن عمه» قالوا سبحان الله مر آنفًا فما حاجتك إليه، فقال أتيت فقيل لي لأمك الهبل، ألا تري حفرت تنتشل، وقد كادت أمك تثكل .. أرأيت ان حولناك إلي محول، ثم غيب في حفرتك الفصل، الذي مشي فاحزأل، ثم ملأناها من الجندل، أتعبد ربك وتصل وتترك سبيل من أشرك وأضل، فقلت نعم .. قال فأفاق ونكح النساء وولد له أولاد، ولبث الفصل ثلاثًا ثم مات ودفن في قبر عمير» .. وتبقي معلوماتنا التاريخية الموثقة عن هذا الموضوع قليلة ومبعثرة، وما توفر لدينا من شذرات عنه، يستفاد منها أن عميرًآ الجهني كان موحدًا، ولم يشرك بربه أحدًا، وكان شعلة من الحماس الديني المعادي للوثنية، وقد اعتزل الوثنية وحرم الميتة والدم والذبائح علي الأوثان، ونهي عن دفن البنات وهن أحياء .. وهكذا كان هذا الحنيف الجهني مثال رجل الدين والفكر المناضل بين ظلمات الجاهلية الوثنية، وقد مات قبل الإسلام، وكان المسلمون يفتخرون باطلاق الحنيفية عليهم، ويرون أن الحنفاء هم سلف المسلمين، وأن إبراهيم كان حنيفًا، وكان أول المسلمين.

حياة جهينه الاجتماعية:

أما حياة جهينه الاجتماعية .. فقد طبعت بالسمات ذاتها التي طبعت بها القبائل العربية الأخري، وأبرز هذه السمات هي روح العصبية القبلية، والعادات والتقاليد المتبعة عند القبائل الأخري، لذا اتسمت العادات التأثرية عندهم بالعنف، فالدم لا يغسله إلا الدم، فأصبح الشرف معلقًا بالثأر إلا إذا قبل أهله الدية، وعلي الرغم من الوحدة الظاهرية للقبيلة في صلاتها الاجتماعية فيما بينها وبين القبائل الأخري، فقد كانت هناك تناقضات في الكيان الاجتماعي للقبيلة، ومن هذه التناقضات التقارب الاجتماعي بين أفراد الطبقة الواحدة من أجل الحصول علي مركز القيادة أو الزعامة التي سوف تمنح أصحابها الحقوق والامتيازات، وتفرض مطالبه، علي الأخري، وذلك يعود إلي حياة جهينه الاقتصادية، التي لعبت دورًا مهمًا في رفع مستوي أفرادها المعيشي، لا سيما أن هذه العادة ظهرت نتيحة الفقر المدقع الذي استمت به حياة تلك القبائل التي مارست هذه العادة اللاإنسانية.

هذا من ناحية .. ومن الناحية الأخري، فقد كان الحكم والشاعر والكاهن، من الشخصيات المؤثرة في مجتمع الحجاز، فالحكم من الرجال الأشداء الشرفاء .. يختارونه من بينهم بالتراضي، ليحكم بينهم بالتراضي في أمور الديات والمغارم والمنافرات الخاصة بالشرف، وهم لذلك يقبلون أحكامه، ولابد أن يكون قد ظهر من أبناء جهينه في العصر الجاهلي الكثير من الحكام. بخلت علينا مصادر التاريخ بأخبارهم، أما الشاعر، فقد كان لسان قبيلته المتكلم، وصحيفتها الناطقة والمدافعة عنها .. وممثلها في الأسواق والمؤتمرات الأدبية .. لذا كان له دور خطير في المجتمع العربي بعامة، سواء في وقت السلم أم الحرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير