ألا ترى أن مسألة ترجيح أفضل استهلال شعري، مسألة ذوقيّة متفاوته من شخص لآخر .. تحكمها الثقافة، وعمق النظرة للبيان المصاحب لها.
وهناك مطالع أخر أرجحها جودةً - مع ما يصاحب ذوقي من سطحيّة - على مطلع امرؤ القيس.
ولكن ما يدعو للتساؤل أن يحكم على هذه القصيدة بأنها الأعلى في كلام البشر بيانًا.
البعض يرجئ هذا الأمر للصور البديعة التي ابتكرها في معلقته ولم يسبق إليها ..
والله أعلم ..
الأستاذة الكريمة أنوار:
معك حق؛ هي -غالبا- مسألة ذوقية تختلف من شخص لآخر ومن حالة نفسية لأخرى ..
و مطلع القصيدة -وبالتحديد بيتها الأول- هو للقصيدة بمثابة المقدمة للكتاب:)
يقول ابن رشيق في هذا: الشعر قفل أولُه مفتاحه.
أما مسألة أنها الأعلى بيانا في كلام البشر -مع أنها قصيدة رائعة فعلا- فلا أوافق عليه شخصيا
فلا كلام أعلى بيانا بعد القرآن من كلام رسول الله:= فقد أوتي جوامع الكلم،
فإن كانوا يقصدون صنف الشعر فإن رسول الله:= قد أطلق لقب أشعر الناس على الخنساء.
كما أن كثيرا من النقاد القدماء و المحدثين مع إقرارهم بجودة قصيدة امرئ القيس إلا أنهم
فضلوا عليه شعراء آخرين أمثال النابغة و الأعشى و زهير ومنهم من جعل كل شاعر من هؤلاء
أكثر إجادة من غيره في غرض معين من أغراض الشعر.
الإعجاب بامرئ القيس والتعصب له كان قديما وما زال إلى الآن لأنه -إضافة لما
تفضلتِ به من أنه ابتكر كثيرا من الصور البديعة التي لم تكن قبله-إمامُ الشعراء
في طريقة النظم و ترتيب القصيدة وفي سَنِّه سننا جديدة لم تكن من قبل في نظم الشعر
أي أنه بتعبيرنا الحديث أول من أسس للقصيدة العربية القديمة لتكون بشكلها المتعارف
عليه من الاستهلال بالغزل والبكاء على الأطلال ثم الدخول فيما سواه من وصف وغيره.
وقد قال عنه رسول الله:= بأنه حامل لواء الشعراء إلى النار، وفي هذا طرفة وفائدة
ذكرها ابن المعتز في العمدة:
قال بعض متقدمي العلماء: الأعشى أشعر الأربعة (امرأ القيس-النابغة-زهير-الأعشى)،
قيل له: فأين الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأ القيس بيده لواء الشعراء؟
فقال: بهذا الخبر صح للأعشى ما قلت، وذلك أنه ما من حامل لواء إلا على رأس أمير، فامرؤ
القيس حامل اللواء، والأعشى الأمير.:)
ولا يعني هذا حتمية تبني وجهة نظر مَن أقتبس عنه:)
ـ[الباز]ــــــــ[08 - 09 - 2010, 02:49 ص]ـ
أما ما أوردته من حديث الباقلاني .. فإني حقيقة أقدر آراءه جدا، حتى وإن لم يوفق في الصحة، وذلك أنه صاحب فكر .. والمجتهد إما أن يصيب أو يخطئ.
ولكن ما تطرق له عن المعلقة من أمور ذاتية .. وأقولها حقيقة أنها كانت موافقة لآرائي من قبل، فقد كنت أقرأ المعلقة وأحكم عليها من منطلق لفظي فقط ..
وهنا أكون مدينة لأساتذتي الذين أخرجوني من تلك النظرة المتقوقعة، إلى مكامن الإبداع في أيّ بيان في " الصناعتين كما يقال " بغض النظر عن لفظة معينة تحكمها الحالة النفسيّة المصاحبة للشاعر، فامرؤ القيس قال القصيدة بعدما خسر الملك، فكان همّه سياسيا بالدرجة الأولى ..
ثمّ إن وجود الرفاق بصحبته أمر اختلف به النقاد كثيرا .. لذلك لايمكن أن نجزم بصحته .. إذ أن العربيّ الأول - كما تعلمون - اعتاد الحديث بلفظ المثنى.
ولكم جزيل الشكر ..
صدقت أستاذتنا أنوار
فالتركيز على الحالة النفسية للشاعر بحر عميق بل محيط لا ساحل له في عالم نقد الشعر
و قد أجاد د. حفني عبد الحليم أيما إجادة في كتابه: مطلع القصيدة العربية ودلالته النفسية
وكان مطلع امرئ القيس من بين المطالع التي تطرق إليها بإسهاب ..
لكن المذهب النفسي في الأدب مذهب حديث لا يشفع لامرئ القيس -على الأقل
عند الإمام الباقلاني لأنه لم يعاصر هذه المذاهب الجديدة- وأنا أوافق الباقلاني
تماما في ما سطرته فيما اقتبسته سابقا بخصوص مطلع هذه المعلقة لأن كلامه منطقي وسليم.
ونقد الباقلاني للمعلقة التي شغلت الناس:) كان في إطار توضيحه للفرق بين أسلوب القرآن
و بقية أساليب البشر مركّزا على نظرية التفاوت في النظم الذي لا تخلو منه أساليب البشر بينما
يخلو منه أسلوب القرآن الكريم وهذا اقتباس من كلامه:
اعلم أن هذه القصيدة -يقصد معلقة امرئ القيس-قد ترددت بين أبيات سوقية مبتذلة وأبيات متوسطة وأبيات ضعيفة مرذولة وأبيات وحشية غامضة مستكرهة وأبيات معدودة بديعة، ولا سواء بين كلام ينحت من الصخر تارة ويذوب تارة ويتلون تلون الحرباء ويختلف اختلاف الأهواء ويكثر في تصرفه اضطرابه وتتقاذف به أسبابه، وبين قول يجري في سبكه على نظام وفي رصفه على منهاج، وفي وضعه على حد، وفي صفائه على باب، وفي بهجته ورونقه على طريق. أشكر لك هذا الموضوع الريِّق والحوار الشيِّق
تحيتي وتقديري
ـ[أنوار]ــــــــ[09 - 09 - 2010, 03:45 ص]ـ
.
أما أنا العبد الفقير فأقول: كنت دائما أحبذ أن يكون الكتاب بحجم المقدمة .. ولا أذكر أنني قرأت مقدمة واحدة في حياتي ..
حتى الكتاب نفسه أقرأه بدون ترتيب وقد أقرأ بعض مواضيع منه وأترك البعض .. إلا أن يكون قصة ..
طرح جميل وإن خالفتك الرأي ..
كما أنني لا أوافقكم الرأي حول معلقة أمرؤ القيس .. لو لم ترق إلى أن تكون أعلى نمط بياني بشري فهي أيضا ليس بهذا البخس الذي ذهب البعض إليه.
بوركت ووفقت.
بارك الله بكم ..
ومن يري إلمامكم في قسم الأدب، يقول أفنى المجلدات والدواوين ..
وقد نصحتني يوما مآ إحداهن، بأن أقرأ الفهرس وانتقي منه ما أود قراءته،
ولكن هيهات هيهات، لا أفهم إلا من أول نقطة وأول فكرة.
أشاطركم الرأي أستاذنا الكريم في معلقة امرؤ القيس وذلك أنها لا يمكن أن تكون الأعلى بيانا ..
ولكن لمَ تصنف في ترتيب المعلقات الأولى دائما .. ؟؟ أيكون التقديم تابعا للجودة، أم سيرا على طريقة الأوائل؟
¥