وقد ظهرت تلك القصيدة في ديوانه المرسوم (قيثارة الريح) المطبوع في مطابع الاتحاد الجديدة في الموصل عام 1954ولا يخفى ما لذا العنوان من تطابق حرفي مع ديوان السياب ذي العنوان نفسه (قيثارة الريح) المطبوع في بغداد عام 1971 (14) وهذا ما يؤيد ما ذهبنا اليه من ان الابداع والشهرة ينطلقان من صحافة العاصمة والا فكيف نعلل تطابق العنوانين من دون ان يشير احد الى ذلك ان قراءة فاحصة لصور (ظلام الحروق) تقود قارئها الى صور قصيدة السياب (سراب) (15)
فقول المحروق
تهاويل جياشة بالعناء
قريب جداً من قوا السياب:
تهاويل مرسومة في السراب
وقول المحروق:
ونمضي وما من رجوع
قريب من قول السياب
سنمضي ويبقى السراب
اما قول المحروق:
وزمجرت الهاوية
وماتت اناشيدنا الباكية
فلعله يقع في دائرة المعنى من قول السياب:
وتدفعا غنوة باكية
الى الهاوية
والقصيدتان من وزن واحد (هو المتقارب) لذلك كانت قريبتين من بعضهما في البناء والايقاع والتجربة الى حد الغرابة! فها نجد تفسيراً لذلك؟
ان المنهج العلمي يقتضي ان نشير الى قصيدة السياب (سراب) كانت قد ظهرت ضمن ديوانه (اساطير) المطبوع عام 1950 في حين ان قصيدة المحروق كانت قد ظهرت او مرة عام 1949 في جريدة (صوت الكرخ) كما مر بنا سابقاً، والسؤال الذي يبقى قائماً هو هل كان السياب قد قرا قصيدة (ظلام) للمحروق وتأثر بها فصاغ تجربته على هدى منها؟ ام انه كان قد نشر (سراب) قبل ذلك في احد الدوريات فتمكن لحروق من الإطلاع عليها والتأثر بها؟ ان تاريخها في ديوان السياب يشير الى انها قد نظمت في 27/ 3/1948 وهو تاريخ السنة نفسها التي يؤرخ المحروق قصيدته لها.
اننا نظن كل الظن ان السياب قد نشر (سراب) في أحدى الدوريات العربية قبل نشرها في الديوان فكان ان تاثر بها المحروق على الرغم من اننا لم نعثر لحد الان على ما يؤيد ذلك غير ان الذي جعلنا نذهب الى ذلك الظن هو ان ديوان المحروق (قيثارة الريح) يلعن في بعض قصائده عن تاثير واضح بأكثر من شاكر ولاسيما علي محمود طه بعد نازك والسياب فضلاً عن تاثره بالمهجرين فكان ان وجد هذا التاثر طريقة الى قصائده في مرحلته الاولى (16)
لعل هذا التطابق ياتي من باب توارد الخواطر بين الشاعرين او ان الدراسات القادمة ستكشف لنا من هو الاسبق في هذا الميدان. وقد ظهرت انذاك دراسات نقدية كثيرة لديوان شاعرنا (قيثارة الريح) من ابرزها دراسات احمد محمد المختار (17) ود. جلال الخياط (18)
والمرحوم هاشم الطعان (19) والمرحوم اكرم فاضل (20) وغيرهم وكانت هذه الدراسات اقرب الى العرض منه الى النقد ولم تكون تهتم بمسالة الريادة لان الريادة لم تكن تعنى شياً ولانها لم تكن واضحة المعالم والاسس لانها في مرحلة البدايات.
المحروق وبدايات الشعر الحر في الموصل
تناولنا قضية الريادة في الشعر الحر في العراق وكيف كانت معركة حامية الوطيس قد نشبت على صفحات الاداب والاديب والصحف العراقية حول من بدا الشعر الحر اولاً اهو: نازك او السياب؟ وعن انتقال التجربة من بغداد الى الموصل يقول المحروق ((اني لم اقرا لاي شاعر موصلي قصيدة من الشعر الحر نهاية الاربعينات منشورة ولاغير منشورة الا في دواوين صدرت عام 1950 وما بعده)) (21) فقد صدر لشاذل طاقة ديوانه الاول (المساء الاخير) عام 1950 وفيه قصائد حرة غير مؤرخة ومنها قصيدة ((المقبرة الخرساء))
حين اقضي
والى المقبرة الخرساء امضي
ويهيل الترب فوق الرمس حفار القبول
فاذكريني
واسالي النجم الذي يسرق ومضي
عن احاديث الدهور
والسنين
واذا عدت الى القبر مساء
ورايت الدود يعسي في الحفيرة! ..
فدعيه انه يبغي الغذاء! ...
ويمني النفس امالاً كبيرة! ...
فلقد كنت اصخت السمع يوماً في الظهيرة! ...
وسمعت الدود يشكو الجوع شكوى البائسين!
وتهافت على الترب .. ونكست الجبين!
فاذا عدت الى قبري .. فجودي بالحنان
لضحايا لم تكن تعرف معنى للامان
ثم جودي للمسجى في الحفرة ...
بين صم الصخر .. باللقيا الاخيرة!
حين امضي
والى المقبرة الخرساء امضي ..
وعلى التابوت شعري!
فادفنيه مع جثماني .. بقبري ..
لم يكن اعذب لحن ..
غير اني ..
لن اطيق القبر والوحشة وحدي!
انه مثلي ميت .. اه لو يدفن عندي! .. (22)
¥