تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وليست هذه القصيدة الوحيدة التي أشاد فيها بالأهرام وبقدماء المصريين يقول في قصيدة أخرى:

أي شيء يبقي على الحدثان والمنايا خصيم الحيوانِ (16)

ويقول في قصيدة ثالثة:

بقوة العلم تقوى شوكة الأمم فالحكم في الدهر منسوب إلى القلمِ

فانظر إلى الهرمين المائلين تجد غرائبا لا تراها النفس في الحلم (17)

هـ _ وصف المخترعات الحديثة:

كان البارودي حريصا على أن يستمد تشبيهاته من هذه المخترعات مثل الكهرباء وآلة التصوير رغبة منه في تمثيل عصره أحيانا أو إثارة الطرافة لدى المتلقي نلحظ كيف انه استعار الكهرباء في غزله (18) في قوله:

وسرت بجسمي كهرباءة حسنه فمن العروق به سلوك تخبرُ (19)

ويقول:

آلا يا لقومي من غزال مريب يجول وشاحاه على فنن رطبِ

تعرض لي يوما فصورت حسنه ببلورتي عيني في صفحة القلبِ (20)

كما يقول:

فالعقل كالمنظار يبصر ما نأى عنه بعيدا دون لمس باليد (21)

ويقول:

شفت زجاجة فكري فارتسمت بها عليك في منطقي في لوح تصوير (22)

2_ الشعر السياسي:

من الأغراض القديمة التي خلع عليها البارودي لباس الجدة ولامستها بوادر التجديد، وظهرت فيها شخصيه واضحة جلية تعبر عن نفسه الأبية المتمرد على الظلم و الاستبداد، يدعو شاعرنا إلى حب العدالة والشورى والمساواة بين الناس في شعره السياسي مما دفعه إلى أن يحتل مركز الصدارة بين أبناء شعبه وأمته واصبح زعيما وطنيا محبوبا لذلك زج به في غياهب السجن، وابعد عن وطنه ولكنه لم يكفْ عن هذا الشعر الوطني والسياسي على الرغم مما لقيه من نفي وتشريد ومرض، وظل هذا الشعر يحرق الطغاة المتجبرين، لذلك طالت مدة نفيه عن دياره ولم يسمح له الحكام بالعودة إلى وطنه إلا أن دب إلى جسمه دبيب الفناء وأصابه الضعف والهزال وفقد بصره.

يبدو البارودي في قصائده السياسية محباً للحرية متمرداً على الظلم شأنه شأن كل رجل شجاع يدافع عن وطنه، ولعل للوراثة والنشأة التي نشأها أثراً في هذا الموقف، غذّاه مما حفظه من شعر الحماسة عند العرب القدماء (23) وهم أبطال الحرية في فيافيهم، وكان شعرهم سجلا صادقا لمكارم أخلاقهم، كل هذا اثّر في البارودي بعد أن اطلع على دواوين الشعر العربي القديم وهو بعد غر صغير حيث رسخت هذه الصفات والخلال الحميدة في ذهنه، وشب مطبوعا عليها يتمثلها نماذج يحتذيها ويود أن يحققها عملا في الحياة يقول:

لا عيب فيّ سوى حرية ملكت أعنّتي من قبول الذل بالمالِ

تبعت خطة آبائي فسرت بها على وتيرة آداب وآمالِ

حقق شاعرنا في قصائده السياسية والوطنية حين انتقل بها من عالم الفردية الذاتية التي يعيش فيها إلى عالم ارحب وأوسع هو خدمة الوطن، وتحوّل من معالجة محور الحياة الخاصة الذي يدور فيه إلى مجال النضال الوطني الكبير، ثورة يريدها أن تمتد من نفسه إلى أبناء شعبه فتساعدهم ليستأصلوا أسباب ذلهم وعلة ظلمهم. (24)

كان البارودي في شعره السياسي ناقدا اجتماعيا وثائرا وطنيا ومصلحاً صريحا شديد الحرص على حرية أبناء بلده ناقدا لهوانهم وذلهم وتهاونهم في الرد على الظلم والسكوت عليه يقول:

وكيف ترون الذل دار إقامة وذلك فضل الله في الأرض واسعُ

أرى رؤوساً قد أينعت لحصادها فأين ـ ولا أين ـ السيف القواطعُ؟

فكونوا حصيدا خامدين أو افزعوا إلى الحرب حتى يدفع الضيم دافع

أهبت فعاد الصوت لم يقض حاجة أليّ ولبّاني الصدى وهو طائعُ

فلم ادرِ أن الله صور قبلكم تماثيل يخلق لهن مسامعُ (25)

وكثيرا ما تغنى بمصر وجمالها وسحرها لاسيما في المنفى إذ ظلت تلك القصائد تؤكد مشاعره تجاه وطنه وأحبابه يقول:

فيا (مصر) مدّ الله ظلك وآرتوى ثراك بسلسال من النيل دافقِ

ولا برحت تمتار منك يد الصبا أريجا يداوي عرفه كل ناشقِ

فانت حمى قومي ومشعب أسرتي وملعب أترابي، ومجرى سوابقي

بلاد بها حل الشباب تمائمي وناط نجاد المشرفيّ بعانقي (26)

والبارودي يتجاوز تصوير المشاهد الحسية إلى تصوير المشاعر النفسية، ولعل اكبر حالة نفسية صعبة عاشها شاعرنا هي غربته في جزيرة (سرنديب) في أثناء مرحلة نفيه إلى تلك الجزيرة، اتسمت أشعاره في تلك الحقبة بالحسرة واللوعة واللهفة وتنوعت في تأثيرها ـ أي الغربة ـ على مشاعره ونفسيته تمخض ذلك عن اجمل القصائد التي يحن فيها إلى بلده مصر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير