تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحنين من الظواهر القديمة في الشعر العربي، يبدو في مطالع القصائد مع وصف الأطلال وفي النسيب والغزل، ولكن البارودي بزّ أقرانه في هذا المضمار إذ ظل يتجرع غصص الغربة المريرة سبعة عشر عاما وكان بارعا في الوصف والتصوير، أخذ يصور حسرته وجزعه وتارة يبدو ذلك في التغني بالوطن والديار أو في بكاء الشباب وأيام البهجة أو في بكاء الحبيبة ـ زوجته ـ التي انقطعت بينه وبينها الأسباب أو في وصف الغربة أو حنينه إلى فلذات كبده وتارة يتوجه إلى رثاء بعض أصدقائه وزوجته قال البارودي في حب مصر:

بلد نشأت مع النبات بأرضها ولثمت ثغر غديرها المتبسمِ

فنسيمها روحي ومعدن تربها جسمي وكوثر نيلها محيا دمي

فإذا نطقت فبالثناء على الذي أولته من فضل عليّ وانعمِ

هي جنة الحسن التي زهراتها حور المها وهزار أيكتها فمي

ما أن خلعت بها سيور تمائمي حتى لبست بها خمائل مخذمي (27)

3_ الهجاء:

الهجاء نوعان: شخصي وهو ما تعارف عليه شعراء العربية، واجتماعي يراد به التهكم الذي يصور عيبا من عيوب المجتمع وذلك لغرض الإصلاح وقد يتمثل هذا العيب الاجتماعي في شخص من الأشخاص، والدارس لشعر البارودي يجد نوعين من الهجاء: الشخصي والاجتماعي، واكثر من الهجاء الاجتماعي لعله يسهم في إصلاح مجتمعه، نجده يشكو الناس ونفاقهم وظلمهم وغدرهم ويصور قومه ويعدد عيوبهم، كما يذم زمانه وينعى على معاصريه تلونهم وعدم وفائهم في صداقاتهم لاسيما وانهم خذلوه وآذوه لذا تميز هجاء البارودي بأنه هجاء لاذع وساخر إذ يصب هجاؤه على جماعة أو أفراد يضعهم في لوحة بارعة الأبعاد كثيرة الجزئيات تتفاعل فيما بينها لتنمو في إطار اللوحة العامة وهي اشد ما تكون قسوة وامتهاناً. (28)

يقول:

أنا في زمان غادر ومعاشر يتلونون تلون الحرباءِ

أعداء غيب ليس يسلم صاحب منهم واخوة محضر ورخاءِ

اقبح بهم قوما؟ بلوت إخاءهم فبلوت اقبح ذمة و إخاءِ

قد اصبحوا للدهر سبة ناقم في كل مصدر محنة وبلاءِ

واشد ما يلقى الفتى في دهره فقد الكرام وصحبة اللؤماءِ

شقي ابن آدم في الزمان بعقله إن الفضيلة آفة العقلاءِ (29)

ومن هجائه الشخصي قوله:

وغد تكوّن من لؤم ومن دنس فما يغار على عرض ولا حسبِ

يلتذ بالطعن فيه والهجاء كما يلتذ بالحك والتظفير ذو الجربِ (30)

يعد هذا الهجاء الاجتماعي جديداً في شعر البارودي، فقد صور في هذا الشعر عصره والناس ملونا بشعره الخاص، وحسبنا من الشاعر الحقيقي أن يصور ما يختلج في صدره من عواطف غير متكلفة ولا مصطنعة تقوم على المجاملات والنفاق الاجتماعي والمدح الكاذب.

4_ الرثاء:

امتازت مراثي البارودي بصدق الإحساس (31) ورقة العاطفة لذا فنه لم يرث صديقا أو قريبا إلا كان رثاؤه صادقا بعيدا عن شعر المناسبات، ويبدو على شعره الحزن العميق بعد أن تسلم خبر وفاة زوجته وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي في رثاء الزوجات يقول:

أَيَدَ المنون قدحت أي زناد أطرت أية شعلة بفؤادي

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق وحطمت عودي وهو رمح طراد

لا ادري هل خطب ألم بساحتي فأناخ، أم سهم أصاب سوادي؟

أقذى العيون فأسبلت بمدامع تجري على الخدين كالفرصاد

ما كنت احسبني أراع لحادث حتى منيت به فأوهن آدي

أبلتني الحسرات حتى لم يكد جسمي يلوح لأعين العوّاد

استنجد الزفرات وهي لوافح وأسفه العبرات وهي بوادي (32)

ويقول في رثاء ولده علي:

كيف طوتك المنون يا ولدي؟ وكيف أودعتك الثرى بيدي؟

واكبدي يا علي بعدك! لو كانت تبل الغليل (واكبدي)!!

فقدك سل العظام مني ور دّ الصبر عني وفتّ في عضدي

كم ليلة فيك لا صباح لها سهرتها باكيا بلا مددِ

دمع وسهد وأي ناظرة تبقى على المدمعين والسهدِ؟

لهفي على لمحة النجابة! لو دا مت الى ان تفوز بالسددِ

ما كنت ادري إذ كنت أخشى عليـ ك العين أن الحمام بالرصدِ

فاجأني الدهر فيك من حيث لا أعـ لم ختلا، والدهر كالأسدِ

لولا اتقاء الحياء لا عتضت بالـ حلم هياما يحيق بالجلدِ

لكن أبت نفسي الكريمة أن اثـ لم حد العزاء بالكمدِ (33)

5_ الفخر:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير