تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بان الشباب وفاتتني بلذته=صروف دهر وايام لها خدع

ما تنقضي حسرة مني ولا جزع=اذا ذكرت شبابا ليس يرتجع

ماكنت اوفي شبابي كنه قيمته=حتى انقضى مالت الدنيا له تبع اذاً شاعرنا هذا يأسف على شبابه لأنه لم يوف حقه ولم يعمل ما ينبغي ان يعمله حتى اذا انقضى عهد الشباب تأسف وندم لأنه لم يقدم في دنياه ما يستحق حينما كان في قمة القوة والعنفوان، لم تقدم يداه ما كان يطمح ولعله استغل ما استكثرت عليه عيناه حينذاك .. ومن الذين ناحوا على ايام الشباب الشاعر المعروف ابو العتاهية اذ قال:

عريت من الشباب وكان غضا=كما يعرى من الورق القضيب

ونُحت على الشباب بدمع عيني=فما نفع البكاء ولا النحيب

فيا ليت الشباب يعود يوما=فأخبره بما فعل المشيب

فهذا الشاعر يود ان يقدم شكواه عند المشيب ويعرض للشباب عيوبه من ضعف ومعاناة.

وكما للشباب فترة معينة من الزمن تنتهي بالانسان الى التقرب من الكمال والرزانة والتروي وبعد النظر وتكسبه الخبرة والفطنة لاسيما اذا شارف على اربعينه اذ ان الحياة مدرسة .. فإن هناك من العوام من يغالط نفسه ويصر على ديمومة الشباب فيحاول التصابي ويتصرف بما لا يليق وعمره ومكانته في المجتمع كقول احدهم:

واذا مضى للمرء من اعوامه=خمسون وهو عن الصبا لم يجنح

عكفت عليه المخزيات وقلبه =قد أضحكتنا سيرة لا تبرح

واذا رأى ابليس غرة وجهه=حيا .. وقال فديت من لم يفلح

اذاً على الشباب اعادة النظر فيما يقدمونه وفيما يهدفون اليه من عمل مثمر يجعلهم في فخر واعتزاز دائمين عند حلول المشيب فالندم لا يمكن ان يرجع ايام الشباب وقال احدهم في هذا المجال:

شيئان لو بكت الدماء عليهما=عيناي حتى تأذنا بذهاب

لم تبلغ المعشار من حقيهما=فقد الشباب وفرقة الاحباب

هنا نلاحظ النظرة الانسانية تتجلى بوضوح .. فهو يخاف على فراق احبته ويود لو يقدم للشباب اكثر مما قدمه. ونعود لنسأل لماذا نتباكى على الشباب؟ ألأننا لم نوفه حقه من العطاء؟ فهذا الشاعر ابن المعتز يفضل العمى على الشيب ولعل ذلك امر مؤلم .. فهو يقول:

قالت وقد راعها مشيبي=كنت ابن عم فصرت عمّا

واستهزأت بي فقلت ايضا=قد كنت بنتا فصرت امّا

كفى ولا تكثري ملامي=ولا تزيدي العليل سمّا

من شاب ابصرنه الغواني=بعين من قد عمى وصما

لو قيل لي اختر عمى وشيباً=ايهما شئت؟ قلت اعمى

هذا هو عين التشاؤم وهذا هو الاعتراف بأن الشباب ليس الا لهوا ومتعة ومجوناً .. فلو قارنا هذه الابيات لابن المعتز مع شاعر آخر يفخر بشباب قلبه وروحه للاحظنا الفرق بين ما يفكر به الاثنان .. فالشاعر يقول:

عمري بروحي لا بعد سنيني=فلأ سخرن غدا من التسعين

عمري الى السبعين يجري مسرعا=والروح ثابتة على العشرين

كلاهما بشر .. ولكن كل ينظر الى الحياة بمنظار وضعه هو لنفسه .. ان اغلب الشعراء نظموا القريض تباكياً على الشباب مركزين على محبوباتهم او زوجاتهم متمردين على المشيب حرصاً على طلب واستحواذ الحب ليس الا .. وكأنما خلق الشباب للحب فقط لا للعمل الطيب وتكوين الاسرة وتنشئة الابناء تنشئة سليمة ..

فقد قال الشاعر حبيب الطائي:

نظرت الي بعين من لم يعدل=لما تمكن حبها من مقتلي

لما رأت وضح المشيب بلمتي=صدت صدود مجانب متحمل

فجعلت اطلب وصلها بتلطف=والشيب يغمزها بألا تفعلي

فهل يعني هذا ان الحب والاخلاص ينتهيان ان من قبل الطرف الآخر بمجرد قدوم المشيب؟ فإن كان هكذا فلا بارك الله حب مثله.

وفي هذا المضمار قال ايضاً:

صدت امامة لما جئت زائرها=عني بمطروفة انسانها غرقُ

وراعها الشيب في رأسي فقلت لها=كذاك يصفر بعد الخضرة الورق

وفي موقع آخر قيل:

ماذا تريدين من جهلي وقد غبرت=سنو شبابي وهذا الشيب قد وخطا

أرقع الشعرة البيضاء ملتقطا=فيصبح الشيب للسوداء ملتقطا

وسوف لاشك يعييني فأتركه=فطالما اعمل المقراض والمشطا

يُعاب على بعض ما قيل من الشعر العربي القديم انه اتهم المرأة بالهجر والصد ونكران الجميل عند بلوغ الرجل سن المشيب او الكبر .. ولعلهم هنا يتحدثون عن المرأة الخليلة لا عن الزوجة التي عرفت بإخلاصها وحبها وحنوها واعتزازها بزوجها الذي اوصى سبحانه كليهما في محكم كتابه الكريم فقال «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» وحاشا لله ان تكون الزوجة بتلك السلوكيات من الهجر والصد والاستخفاف. قال محمد الوراق متأسفاً على المشيب:

لا تطلبنْ أثرا بعين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير