وقد حذف ألف القرءان في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الاعتبار. قال تعالى في سورة يوسف: {إنّا أنزلناه قرآنا [بالحذف] عربياً} وفي الزخرف {إنّا جعلناه قرآنا [بالحذف] عربيا} والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله. وقال بعد ذلك في كلّ واحد منهما: {لعلكم تعقلون} فعربيته هي من الجهة المعقولة ... " ثمّ قال: "وكذلك ثبت الف الكتاب في أربعة أحرف هي مقيدة بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي. أحدها في الرعد {لكل أجل كتاب} هذا الكتاب هو كتاب الآجال فهو أخصّ من الكتاب المطلق والمضاف إلى اسم الله
وفي الحجر {وما أهلكنا من قرية إلاّ ولها كتاب معلوم} هذا الكتاب هو كتاب إهلاك القرى , وهو أخصّ من كتاب الآجال.
وفي الكهف {واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك} هذا الكتاب هو أخصّ من الكتاب الذي في قوله تعالى: {أتل ما أوحي إليك من الكتاب} لأنه أطلق هذا وقيّد ذلك بالإضافة إلى الاسم المضاف إلى معيّن في الوجود , والذي هو أخصّ أظهر تنزيلا
وفي النمل {تلك ءايات القرءان وكتابٍ مبين} هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن جاء تابعا للكتاب كما قد تبيّن لك ,وكما جاء في الحجر {تلك ءايات الكتاب وقرءان مبين} فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل الكتاب الكلي بجوامع كليته والله أعلم." انتهى كلام ابن البناء
هذا عن التفسير الصوفي والتعليل الإشاري
أما التفسير العلمي فالحذف والإثبات عند أصحابه مبنيان ومحمولان على احتمالات عدّة أهمها:
ـ الإثبات قد يراد به أحيان بيان حركة الحرف فقد كانوا برمزون للحركة فيما يلتبس إعرابه بحروف المدّ أو ما يعرف بالحركات الطويلة ...
ـ قد يتنوع الحذف والإثبات في الكلمة الواحد لتنوع قراءاتها
ـ قد يقصد بالإثبات الإفراد لا غير بينما يقصد بالحذف الجمع حقيقة والإفراد احتمالا [حقيقة لأنه يوافق الرسم موافقة حقيقية والثاني إنما يوافقه موافقة احتمالية]
ـ قد تكتب الكلمة بإثبات ألفها في أوّل موضع لها في المصحف ثم يستغنى عنه فيما يتكرر منها
ولجميع ما ذكرنا أمثلة ذكرها أهل هذه الصناعة ... ربما قد نعود لها فيما يستقبل من الأيام إن شاء الله تعالى
الهوامش:
[1]ـ تماما كما تفضّل وأشار الأخ مدّثر خيري حفظه الله
[2]ـ مظاهر الرسم العثماني الاصطلاحية ستة: الحذف , الزيادة , الإبدال , وصل ما حقه الفصل , فصل ما حقه الوصل واختلاف المصاحف وإن كان هذا الباب الأخير أدخل في الرسم الاصطلاحي تجاوزا
[3]ـ ينقسم الوجود عند ابن البناء إلى ما يدرك وما لا يدرك والذي يدرك ينقسم إلى قسمين ظاهر ويسمى ملك وباطن ويسمى ملكوت وما لا يدرك ينقسم بدوره إلى قسمين ما اختص الله بعلمه وليس من شأنه أن يدرك كمهية صفات الله وحقيقة أفعاله ... فيسميه العزّة وما اختص الله بعلمه ولكن من شأنه أن يدرك كأحوال الآخرة ونعيم الجنة ونحو ذلك فهذا يسميه الجبروت ... ووفق هذه القسمة بنى ابن البناء تعليلاته لمظاهر الرسم العثماني ... والأمر يحتاج إلى مزيد من البيان والشرح ليس هذا مجاله ومقامه ... و لمن أراد الاستزادة والتفصيل فالكتاب موجود على الشبكة في مختلف المواقع وهو مبرمج في المكتبة الشاملة
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[12 Oct 2010, 12:18 ص]ـ
الأخوان مدثر خيري وبودفلة فتحي: وفقكما الله وبارك فيكما على هذه الفوائد.
ـ[بودفلة فتحي]ــــــــ[12 Oct 2010, 07:36 ص]ـ
فاتني أن أذكر أخي ماجد:
1ـ أنّ الحذف يكثر في الكلمات التي تنضبط بقياس (كالجموع السالمة والمثنى ... ) وذلك للشهرة ـ إذا صحّ التعبير ـ والاستغناء
2ـ الكلمات التي ترسم بالإثبات في أوّل موضع لها ثمّ ترسم بعد ذلك بالحذف يكثر في الكلمات التي لا تنضبط بقياس كجموع التكسير وكأنّهم جعلوا من موضعها الأوّل تعريفا وبيانا لها فلمّا حصل به استغنوا عن رسم الحرف المحذوف
3ـ قاعدة أخرى مهمة في الحذف والإثبات أنّ الصحابة رضي الله عنهم ـ بل والكتابة العربية عموما يومها ـ كانت قائمة على رسم أقلّ شيء ممكن وعدم التوسع فيما يمكن الاستغناء عنه (وهذه القاعدة ملاحظةٌ في تركهم الضبط , في تركهم للإعجام أوّلا , وفي إعجام الحروف الأقلّ استعمالا كالذال بدل الدال والشين بدل السين ثانيا, وفي ظاهرة الحذف فيما يمكن الاستغناء عنه من الحروف ... )
ـ[أبو هاني]ــــــــ[12 Oct 2010, 09:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بعيدا عن أن نخطِّئ أمرًا في الكتابة أونلتمس علة تسوِّغ وروده بصورة خاصة أودّ أن أشير إلى أن نظام الكتابة ورموزها من الأمور العُرفية التي يتقبلها أبناء اللغة في مجتمعهم ما كان وافيا وملبيا لمتطلباتِهم في شؤون دينهم ودنياهم، وهو كما علمنا من دراسة كتابات عدد من اللغات ومنها الكتابة العربية أن هذا النظام يتدرَّج ليكون وافيا إذا ظهرت لدى أبناء اللغة حاجة إلى ذلك؛ فالضبط بعلامات دالة على الحركات والتشديد ظهر في وقت مبكر للحاجة إلى ضبط النطق وفق النظام الصرفي والنظام النحوي للعربية، ثم ظهر ضبط آخر باستخدام النقْط وعدمه لتمييز الأحرف المتشابِهة رسما للأصوات المختلفة: ب ت ث، ج خ، س ش، وهكذا، بل أضيفت رموز كتابية لأصوات لم يكن أبناء اللغة يجدون حاجة لرسمها في كتاباتِهم لأنَّهم لم يكونوا يجدون صعوبة في القراءة في غيابِها؛ فظهرت صورة الْهَمْزة المقتطعة من العين، وعلامة الوصل من الصاد وهكذا. والكتابة العربية كانت تساير متطلبات القارئين والكاتبين في كل مرحلة فلا ينبغي اتِّهامها في أي مرحلة بالخطإ أو الشذوذ.
¥