[القراءة التي كانت سائدة في زمن تأليف المقدمة الجزرية]
ـ[أحمد الرويثي]ــــــــ[22 Nov 2010, 06:46 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال فضيلة شيخنا المقرئ محمد تميم الزعبي - حفظه الله تعالى- في مقدمة دراسته للمقدمة الجزرية:
((القراءة التي كانت سائدة في زمن تأليف المقدمة الجزرية
الذي يظهر أن الرواية السائدة في زمن تأليف المقدمة في قراءة أبي عمرو البصري، وليست رواية حفص عن عاصم الكوفي، كما يتبادر إلى الذهن في هذه الأيام، لأن رواية حفص لم تشتهر في بلاد الشام ومصر إلا في منتصف القرن الثاني عشر كما تجده موثقاً بالنقول التالية
إذ إن قراءة أبي عمرو غلبت على أهل العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق أفريقيا إلى القرن العاشر الهجري.
1 - قال ابن الجزري: ((قال ابن مجاهد: وحدثونا عن وهب بن جرير قال: قال لي شعبة: تمسَّكْ بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسناداً. وقال لي أيضاً: حدثني محمد بن عيسى بن حيان، حدثنا نصر بن علي قال لي أبي، قال شعبة: انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه، فإنه سيصير للناس إسناداً، قال نصر: قلتُ لأبي: كيف تقرأ؟ قال: على قراءة أبي عمرو. وقلتُ للأصمعي: كيف تقرأ؟ قال: على قراءة أبي عمرو. قلتُ: وقد صح ما قاله شعبة – رحمه الله- فالقراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر، هي قراءة أبي عمرو، فلا تكاد تجد أحداً يلقن القرآن إلا على حرفه، خاصةً في الفرش، وقد يخطئون في الأصول، ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة، فتركوا ذلك، لأن شخصاً قدم من أهل العراق، وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو، فاجتمع عليه خلقٌ، واشتهرت هذه القراءة عنه، أقام سنين، كذا بلغني، وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر، وأخذهم بقراءة أبي عمرو، وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة)) غاية النهاية لابن الجزري 1/ 128
2 - قال ابن الجزري ((سبيع بن المسلم بن علي بن هارون، أبو الوحش المعروف بابن قيراط، شيخ دمشق، كان ضريراً ثقةً كبيراً، وُلد سنة تسع عشرة وأربعمائة، وكان يقرئ الناس تلقيناً وروايةً من الصبح إلى قريب الظهر بالجامع الأموي، وكان أقعد يُحمل إلى الجامع، وأظنه هو الذي أشهر قراءة أبي عمرو تلقيناً بدمشق بعد ما كانوا يتلقنون لابن عامر، والله أعلم)). غاية النهاية لابن الجزري 1/ 133
3 - قال شيخ شيخنا الشيخ علي الضباع – رحمه الله تعالى- في الإضاءة: ((كانت قراءة عامة المصريين على ما ظهر لي من تتبع سِيَر القراء وتأليفهم منذ الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن الخامس الهجري على طريقة أهل المدينة المنورة سيما التي رواها ورش المصري عن نافع القارئ المدني، ثم اشتهر بينهم قراءة أبي عمرو البصري، واستمر العمل عليها قراءةً وكتابةً في مصاحفهم إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ثم حلت محلها قراءة عاصم بن أبي النجود، إلى أن قال: وقد مشيتُ هنا على تقديمه – أي حفص- لذلك، ولاقتصار جل المصريين عليها في ضبط المصاحف المصرية المشرقية غالباً في هذا الزمان)).
وأما أهل الشام فاستمروا يقرؤون بقراءة ابن عامر إلى نهاية القرن الخامس حتى قدم عليهم أحد أئمة القراء، وهو ابن طاووس، فأخذت في الانتشار التدريجي بالشام حتى حلت محل قراءة ابن عامر كما يستفاد من كلام ابن الجزري: ((ولا زال أهل الشام قاطبةً على قراءة ابن عامر تلاوةً وصلاةً وتلقيناً إلى قريب الخمسمائة، وأول من لقن لأبي عمرو فيما قيل: ابن طاووس)) غاية النهاية 1/ 424
وبالتتبع يظهر أن هناك اثنين باسم طاووس.
الأول: أحمد بن عبد الله بن طاووس أبو البركات البغدادي نزيل دمشق توفي سنة 492هـ. غاية النهاية 1/ 74
الثاني: هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاووس، أبو محمد البغدادي الدمشقي إمام الجامع الأموي، وتصدر للإقراء وختم عليه خلقٌ (ت 536هـ) غاية النهاية 2/ 349
وعليه: فإن في الوقت الذي انتشرت فيه قراءة أبي عمرو في الأقطار المشار إليها في الفقرة السابقة وهي: العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق أفريقيا، كانت رواية حفص عن عاصم بدأت تنتشر لدى الأتراك، وبدأت الدولة العثمانية تبسط سلطانها على معظم أرجاء العالم الإسلامي، فصارت ترسل أئمة وقضاة ومقرئين أتراكاً إلى الشرق، فانتشرت رواية حفص عن طريقهم، وكذا عن طريق المصاحف التي تنسخها الدولة العثمانية برواية حفص، فأخذت رواية حفص عن عاصم تحل تدريجياً محل قراءة أبي عمرو البصري، فآل الأمر إلى انحسار انتشارها، فلم تبق إلا في اليمن والسودان والقرن الإفريقي.
وأما بالنسبة لتركيا التي أقام بها ابن الجزري وسكن فيها، فلم يترجح لدي القراءة السائدة عندهم، هل هي قراءة أبي عمرو أم رواية حفص، فالأمر يحتاج لمزيد من البحث والتدقيق في ذلك العصر لأني لم أستطع الجزم بذلك حتى الآن)). انظر: مقدمة دراسة شيخنا محمد تميم الزعبي حفظه الله للمقدمة الجزرية من ص 14 إلى ص 17
¥