وهذا التفسير مقبول لأنّ الموضع الذي حدث فيه المنع مع المجهور غيره مع الشديد , فهو مع المجهور في منطقة الوترين الصوتيين فهو منع للنفس لا للصوت لأنّ الصوت لم يتكوّن بعد , بينما الموضع الذي حدث فيه المنع مع الشديد هو موضع خروج الصوت , فهو منع للصوت والنفس.
وإذا أمعنت النظر في تعريف المتقدّمين تجد أنّه لا خلاف كبير بين ما قلناه وبين ما قالوه , لأنهم ذكروا في تعريفهم سبب الاهتزاز وسبب عدمه , وهو انقباض وانبساط فتحة المزمار , ووقف المتأخرون من هذا التعريف عند المتقدّمين مواقف مختلفة , فبعضهم يطلق التجهيل عامة , وبعضهم يخطئهم بمواطن التخطئة ويعترف لهم بمواطن الصواب , والبعض يلتمس لهم عذراً , والذي أميل إليه أن نلتمس لهم الأعذار , لا سيما أنهم بلغوا درجة كبيرة من الدقة في كثير من الأشياء.) ص23
ومن ما مضي يظهرلنا الخلاف في قضية الجهر والهمس، فمنهم من يعدها خلافا من الجهة النظرية، وبعضهم يعدها خلافا حقيقيا ومن ثَمَّ يري أن القراء قد جانبهم الصواب في نطق بعض الأحرف المختلف فيها (كما سيأتي عند نقاش أحرف الخلاف).
والقول بتخطئة القدامي لم يكن إجماعا بينهم، وهذا ما حدا بالدكتور عبد الرحمن شاهين عند تعرضه للخلاف بين القدامي والمحدثين عدم ارتضاء القول بالتخطئة حيث قال في (مذكرات بعنوان"قراءة في الدرس الصوتي عند العرب": ولا إخالني مجانبا الصواب أو مجاوزا الحقيقة إن قلت: إن تعريف القدماء للجهر والهمس لا يختلف كثيرا عن تعريف المحدثين لهما، فجريان النفس وامتناع جريانه أثر ناتج عن تذبذب الأحبال الصوتية أو عدم تذبذبها.
إن الدفعة الهوائية الخارجة من الرئتين والمشكلة للصوت المجهور وتستهلك في ذبذبة الأحبال الصوتية، ومن ثَم يخرج الحرف دون أن يجري معه النفس.
أما الحرف المهموس فالدفعة الهوائية تشكله في مخرجه دون اهتزاز للأحبال الصوتية فيجري معه النفس.
وإني لألمح هذا المفهوم معتمدا لدي بعض المحدثين، يقول أستاذنا د. كمال بشر واصفا بعض الصوامت المجهورة وذلك أن شدتها تعني أن الهواء عند نطقها محبوس حبسا تاما ولأن جهريا يعني عدم جريان النفس معها) د. بشر: علم اللغة العام الأصوات ص161
ولست أعجب بعد هذا لشئ عجبي لأخذ المحدثين علي القدماء القول بجهرية بعض الحروف التي رأوها هم مهموسة .. ثم نقل د/ عبد الرحمن شاهين أقوال بعض أهل الأصوات في عدم جهرية (الهمزة والقاف والطاء) ثم قال:
أما عن القاف والطاء، فهناك شبه إجماع علي أنهما تعرضا لتطور صوتي، حيث كانتا مجهورتين قديما وأمكن نطقهما مهموستين في العربية الفصحي اليوم.
لكن هذه الآراء السابقة كلها والآخذة عن القدامي القول بجهرية والقائلة بتطور الطاء والقاف صوتيا ـ كل هذه الآراء تقوم في ظل اختلاف مفهومي الجهر والهمس عند القدماء والمحدثين!!.
نستطيع بعدما تقدم أن ندرك أن جهود القدماء في الدرس الصوتي بحاجة إلي دراسة منصفة تجمع شواردها وتؤصل قواعدها) ا. هـ من ص 29: 31
ولعلي أكمل البحث لاحقا إن شاء الله
خاتمة هذا المبحث:
..................
والسلام عليكم