أما بخصوص عبارة سيبويه فقد علق د/ عبد الصبور شاهين في كتابه (أثر القراءات في الأصوات والنحو العربيأبو عمر بن العلاء) علي عبارة سيبويه قائلا: ويبدوا أن سيبويه يقصد بعبارة (ويجري الصوت) شيئازائدا في حالة الجهر عن حالة الهمس، إلا أنه لم يدرك أن منشأ هذه الزيادة فيالحنجرة فقد كان يجهل تشريح الأعضاء الصوتية فكان أن عبّر عن فكرته هذا التعبيرالغامض العام ... ثم قال د/ عبد الصبور: ... وقد فسر أستاذنا عبارة (صوت الصدر (التي استخدمها سيبويه بأنه الصدي التي نحث به ولا شك في الصدر .... فهو الرنين الذينشعر به مع المجهورات وسببه تلك الذبذبات التي في الحنجرة) 202
وقد ذكر أ. عمار محمد سيف الدين الخطيب في رسالة عنوانها (الجهرُ والهمْسُ بين القدماء والمحدثين) تفصيلا أكثر فقال:
ولو دقّقنا النظر في كلام سيبويه في رواية السيرافي التي ذكرناها سابقا لما خالجنا شكٌّ في أنّ سيبويه كان على علمٍ بالأثر الناتج عن اهتزاز الوترين الصّوتين مع الأصوات المجهورة، وذلك واضحٌ في قوله " فالمجهورةُ كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر ويجري في الحلق "، فهذا الإمامُ الجهبذُ قد لاحظ معتمدا على أذنه المرهفة تلك النغمة الخاصة التي تميز الأصوات المجهورة فوصفها بـ (صوت الصدر)، وأدْرَكَ أنّ الأصوات المهموسة خالية من ذلك الصوت الذي يخرج من الصدر على حدّ تعبيره ولذلك قال " فأخرج الصوت من الفم ضعيفا "، قال الدكتور إبراهيم أنيس معلقا على كلام سيبويه: " ولعل هذا الصوت (يقصد صوت الصدر) هو صدى الذبذبات التي تحدثُ في الوترين الصوتيين بالحنجرة، وهذا الصّدى نحس به ولا شك في الصّدر كما نحس به حين نسدّ الأذنين بالأصابع أو حين نضع الكف على الجبهة. فهو الرنين الذي نشعر به مع المجهورات، وسببه تلك الذبذبات التي في الحنجرة.
وكأنما فطن سيبويه إلى موقف المهموسات فتسائل كيف تسمعها الأذن إذا كانت خالية من ذلك الصوت الذي يخرج من الصدر، وهنا نراه يتصور أن أصواتها تخرج من مخارجها، غير أنه لا يعتمد عليه كالاعتماد مع المجهور، ولذلك يخرج الصوت من الفم ضعيفا.
والذي لم يكن سيبويه يعرفه وإن كان قد أحسّ به أن النفس يتردد مع الحرف المهموس ويُحْدِثُ موجات أيضا تضخمها الفراغات الرنّانة في الحلق والفم فتسمعها الأذن من أجل هذا. أي هناك ذبذباتٌ مع كل من المجهور والمهموس، غير أنّ مصدر الذبذبات مع المجهورات هو الحنجرة على حين أنّ مصدرها مع المهموسات هو الحلق والفم وتضخّمها الفراغات الرنّانة، ولكنها ذبذبات ضعيفة ليس لها أثر سمعيّ قوي في السّمع. ومن هنا جاء خفاؤها أو همسها، ومن هنا أيضا تميّز المجهور من الهموس ".))) ا. هـ
ولو أمعنا النظر في عبارة من كلام سيبويه: ... واعلم أنَّ الهمزة إنَّما فعل بها هذا من لم يخففها؛ لأنَّه بعدمخرجها، ولأنها نبرة في الصدَّر تخرج باجتهادٍ، وهي أبعد الحروف مخرجاً، فثقل عليهمذلك، لأنَّه كالتهُّوع.)) 1/ 306
نجده يتحدث عن مخرج الهمزة، ويقصد بـ"الصدر" أقصي الحلق، واستخدم الإمام الهذلي في كتابه الكامل عبارة الصدر فقال: .. أقصاها مخرج الهمزة وهي من الصدر ثم الهاء .... ) ص96 فهم يقصدون به أقصي الحلق ولم يكن مراده صوتا زائدا (اهتزاز الوترين) كما يقولون.
فهذه الذبذبات في الوترين أحدثها الهواء الخارج من الرئتين فالأمر في أساسه له تعلق بخروج الهواء كثر أوقل وعليه يحمل كلام القدامي، قال أ. خالد بسندي أستاذ مساعد: قسم اللغة العربية ـ كلية الآداب ـ جامعة الملك سعود في كتابه " قراءة في الجهر والهمس بين القدماء والمحدثين": إن الدراسات الصوتية الحديثة التي اعتمدت أحدث الأجهزة بينت أثر الوترين الصوتيين في إحداث الجهر والهمس في حين لم تسلط الضوء على الهواء المندفع من الرئتين؛ لتبين قوته وسرعته وأثره في إحداث الجهر والهمس، بل كان تركيزها على جهاز النطق.) ا. هـ
وحاول د /عبد الرحمن بن إبراهيم الفوزان في كتابه "دروس في النظام الصوتي للغة العربية" تقريب المسألة بين القدامي والمحدثين فقال: ونلاحظ هنا أن سيبويه يجعل:
علامة المجهور " منع النفس " , وعلامة الشديد " منع الصوت ".
وبالقابل يجعل علامة المهموس " جري النفس " , وعلامة الرخو " جري الصوت ".
¥