النّعش الأخير مبتدأ، وخبره تحت تابوته، وقد فصل بينهما بأجنبي، وهو جائز في الشعر. والنّعش
الآخر منصوب بتحمل، كذا قال بعض النحويين، وهو غلظٌ، لأنّ تحمل صفة أيدٍ وهي لا تصحّ قبل
أيدٍ فمفعولها أجدر أن لا يقع قبلها، فصوابه أن ينصب بتحمل أخرى دلّت هذه عليها. وأيدٍ على
معطوف على ميتٍ وأجراها مجرى المرفوع والمجرور، فلم ينصب للضرورة.
وقال متعسّفٌ:
تعالى الله ربي فوق عرشٌ عليّ تحته تبنى العروشا
قال بعض النحويين: فوق غاية وخبر مبتدأ، ومبتدؤه عرشٌ. قلت: هذا خطأٌ، لأنّ فوق وأخواتها لا تقع خبراً ولا صفةً ولا صلةً ولا حالاً لنقصانها. وعليّ صفة عرشٍ و تحته ظرف لتبنى، وتبنى حال من العروش، و العروش مفعول عليّ، تقديره وترتيبه: فوق السموات عرشّ علا العرش مبنية تحته.
حرف الصاد
أنشد ابن السّكيّت في إصلاحه لأميّة بن أبي عائذ الهذلي:
قد كنت خرّاجا ولوجاً صيرفا لم تلتحصني حيص بيص لحاص
حيص بيص اسم مركب، معناه: الفتنة التي تموج بأهلها، متقدمين ومتأخرين، وفيها لغات أخر.
وبني الاسمان لوجهين: أمّا الأوّل: فلتنزّله منزلة صدر الكلمة من عجزها، وأمّا الثاني: فلتضمنه معنى حرف العطف، وموضعه نصبٌ على الحال. و لحاص: معدولة عن ملتحصة أي منتشبة، وموضعها رفع فاعل تلتحصني، وبنيت لمشابهتها نزال.
وقيل: حيص بيص فاعل تلتحصني، و لحاص جارية عليه، إمّا بدلاً أو عطف بيان.
وقال ملغزٌ:
وقد بعدت عني نوار فذكرها حديثاً إذا شطّ المزاز قصاص
نوار مبنية على الكسر كلحاص وحذام، وهي فاعلة بعدت. و قصاص اسم فعل من قصّ الحديث.
ونصب ذكرها و حديثاً بفعل دلّ عليه قصاص، كأنّه قال: فقصّ ذكرها حديثاً إذا شطّ المزاز.
وقال آخر:
تميّز فما يدنيك من نيل رتبةٍ فخار أبٍ إن لم تنلك الخصائصا
خصائص: مفعول تميّز، وفي تنلك ضمير منها، تقديره: تميزالخصائص فما يدنيك فخارأبٍ إن لم تنلك
وقال آخر:
وتسري من همومك نحو هندٍ وإن شطّ المزار بك القلوص
القلوص: الناقة الباقية على السير، وهي مجرورة بالباء، تقديره: وتسري أنت يا مخاطب نحو
هندٍمن همومك بمثل القلوص.
وقال آ خر:
تسعدنا بالمزار طارقةً هندٌ ظلاماً فنغنم الفرص
الفرص فاعل تسعدنا، وهند مرفوعة بالمزار، وطارقة حال من هند، وظلاماً ظرف للمزار. وقد
أسقط مفعوله نغنم، وهو ضمير الفرص، كقوله تعالى: وأصلح لي في ذريّتي، وقوله: وأنتم تعلمون،
تقديره: تسعدنا الفرص بأن تزور هند طارقةً في الظلام فنغنمها.
وقال آخر:
أشافيةٌ يزورها سقامي إذا ما أفقرت منها العراصا
العراص: مفعولة زورتها، وفي أفقرت ضمير منها. وسقامي مفعول شافية، وقد فصل معمول شافية
بين المصدر وصلته للضرورة. وشافية خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ والخبر محذوف، تقديره: أهي
شافية سقامي بزورتها العراص إذا أفقرت منها. و إذا متعلّق بشافية أو بزورتها.
وقال ملغز:
كلّ باباً إذا وصلت إليه هنيّاً لا تكن عجولاً حريصا
كل: فعل أمر، و لباباً مفعوله، وهو جوف الخبز، وأدغم لمّا التقت اللامان. وهنيّاً صفة مصدر
محذوف، أي أكلاً هنيّاً.
حرف الضاد
أنشد سيبويه لذي الإصبع العدواني:
عذير الحيّ من عدوا ن كتانوا حيّة الأرض
عذير الحيّ: منصوب بفعل لازم لايظهر تقديره: احضر عذير الحيّ أوعاذره ومعناه المعذرة ومن عدوان: إما حال من الحيّ أوخبر مبتدأ محذوف ومعنى حية الأرض: خشية الناس لهم وحمايتهم إياها
وأنشد سيبويه أيضاً لزيد الخليل الطائي:
أفي كلّ عامٍ مأتم تبعثونه على محمرٍ ثوّبتموه وما رضا
المأتم: النساء يجتمعن في الخير والشرّ والمحمر: البطيء ومالا خير فيه من الخيل و ثوبتموه: جعلتموه ثواباً عن جميل فعل لكم ومأتم مبتدأ وكلّ عام ٍ خبره وأراد اجتماع مأتم لأن ّ ظرف الزمان
لا يكون محلاً للجثث وهو نظير قول قيس بن حصين الحارثي:
أكلّ عامٍ نعم تحوونه
وتبعثونه: صفة مأتم ولو حذفت الهاء من تبعثونه لم يجز النصب كما جاز في: زيدٌ ضربته إذا
حذفت الهاء لأنّ الصفة لا تعمل في الموصوف ولا فيما قبله و ثوبتموه صفة محمر وكذلك ما رضا
وما رضا ليس بمنصوب وإنما هو كلمتان فما حرف نفي ورضا معناه رضي فأبدل من الكسرة فتحة وقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وهي لغة طائية.
وأنشد سيبويه لبعض الرجال:
إذا أكلت سمكاً وفرضاً ذهبت طولاً وذهبت عرضا
كذا أنشده سيبويه والفرض: نوع من التمر وطولاً وعرضاً: مصدران عند سيبويه في موضع الحال
¥