تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعقوب السكاكي (626هـ) أصولي ومتكلّم واسع الاطلاع على الفلسفة، والقزويني (739هـ) والتفتازاني (792هـ) على دراية عميقة بعلم الكلام، وحازم القرطاجنّي (684هـ) متكلّمٌ شديد الاتصال بفلسفة أرسطو، والعلوي (749هـ) ينافس الفخر الرازي في علم الكلام في الديار اليمنية، فهؤلاء الذين ذكرناهم وغيرهم ممن لم نذكر، هم من كبار المتكلّمين والأصوليين، وهم الذين عُنوا بالبلاغة دراسةً وتقعيدًا، وتهذيبًا وتلخيصًا، وعلى أيديهم تطوّرت البلاغة، إلى أن أصبحت علمًا محدّدَ القواعد والأصول، وهو في العربية بمثابة علم الأصول لمن أراد معرفة أسرار الإعجاز في القرآن، ورغبَ في تذوّق جمال اللغة وسحرها، ورام اكتساب الفصاحة والبيان في كلامه وأدبه.

وقد نقل الجاحظ عن بشر بن المعتمر (210هـ) أنّ كبار المتكلّمين ورؤساء النظارين فوق أكثر الخطباء، وهم أبلغ من كثير من البلغاء ()، ولذلك قيل: إنّ علم البيان نبت في جُحور المتكلّمين، وقد كان نشاطهم واسعًا، وكان لهم أثرٌ كبيرٌ في الحياة العقلية بعامّة وفي البلاغة بخاصّة ()، وكان لهذا السبب أثرٌ ما في البلاغة وصياغتها تلك الصياغة التي شابها بعض التعقيد والغموض، انظر على سبيل المثال إلى الروح المنطقية، والتعقيد المعنوي في أسلوب السّكاكي وهو يتحدّث عن البلاغة وفنونها:"وقبل أن نمنح هذه الفنون حقّها من الذكر ننبهك على أصلٍ لتكون على ذكرٍ منه، وهو أنّه ليس من الواجب في صناعة وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرّد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية واعتبارات إلفية؟ فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلّد صاحبها في بعض فتواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق" ().

2 - أكثر علماء البلاغة هم من غير العرب:

لعلّ من الأسباب الخارجية الأخرى التي أسهمت في ذلك التعقيد بطريقة غير مباشرة كون أولئك البلاغيين الأعلام – في الغالب الأعمّ - من غير العرب، وقد تنبه ابن خلدون في مقدّمته إلى هذه الظاهرة، وذكر أنّ أغلب العلماء في التاريخ الإسلامي هم من الأعاجم، وفسّر ذلك تفسيرًا حضاريًا بقوله:"إنهم أهلُ حضارة مقارنة بالعرب، ولأنّهم احتاجوا بعد فسادِ اللسان إلى وضع القوانين النّحوية، وصارت العلوم الشرعية كلّها مَلكاتٍ في الاستنباطات والاستخراج والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى، وهي الوسائل لها من معرفة قوانين العربية، وقوانين ذلك الاستنباط والقياس، والذّبّ عن العقائد الإيمانية بالأدلّة لكثرة البدع والإلحاد" (). وأشار ابن خلدون إلى تأثير هذه الظاهرة السلبي في اللسان العربي فقال ملخصًا ذلك كلّه في صورة قاعدة مطّردة:"إذا تقدّمت في اللسان ملكةُ العُجمة صار مقصرًا في اللغة العربية" ().

إنّ أولئك البلاغيين الذين ذُكرت أسماؤهم آنفًا وغيرهم كُثُر هم من غير العرب، وهذا وإن كان مَيزةً في جانب العناية بالعلوم ووضع قواعدها كما ذكر ابن خلدون، فإنّه في الجانب الآخر وهو الأسلوب وطريقة الأداء مثّل عثرةً هي في مجملها الابتعاد عن مجالات الفن والأدب، يقول أمين الخولي:"إذا كانت عُجمة مع فلسفة فقد كَمُل البعد عن مجالي الفن وروحه بقدر البعد عن حسّ العربية وتمثّل روحها، وإدراك مجال الجمال فيها" ().

ووجود العجمة لا يعني بالضرورة الوقوع في اللحن ومخالفة الأساليب العربية، ولكنّه الاتجاه إلى طرائق وعرة في التعبير يعوزها الجمال وحسن الأداء، ومن أمثلة ذلك ما نجده مثلاً عند التفتازاني من عبارات تشوبها العجمة، من مثل قوله:" والحركة عند المتكلّمين حصولُ الجسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر، أعني أنّها عبارة عن مجموع الحصولين، وهذا مختصٌ بالحركة الأينية، وعند الحكماء هو الخروج من القوّة إلى الفعل على سبيل التدريج" ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير