تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[قبة الديباج]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 05:10 م]ـ

الدرجة الثالثة: التنفير من الباطل:

يتابعُ إبراهيم- عليه السلام- {يا أبتِ لا تعبدِ الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيّا}، ليخلق شعور التنفير بعد أن أثار زوبعة الشك حول معبود أبيه، حيثُ بين له أن حقيقة عبادته هي عبادة الشيطان، وفي ذلك "إفصاحاً عن فسادها وضلالها، فإننسبة الضلال والفساد إلى الشيطان مقررةٌ في نفوس البشر، ولكنّ الذين يتبعونه لا يفطنون إلى حالهم، ويتبعون وساوسه تحت ستار التمويه" ([1]).

وفي قوله: {لا تعبدِ الشيطان} كناية، يجوز فيها إيراد المعنيين: الأصلي، وهو عبادة الشيطان، والمكنّى عنه، وهو عبادته للأصنام، وغرضها استثارة النفور والحقيقة المستقرة في النفوس من كون الشيطان أساس الضلال والفساد، كما تقدم.

وفي قوله: {إنّ الشيطان كان للرحمن عصيّا}، جاءت (كان) لتفيد الدوام والاستمرار، بمعنى: (لم يزل)، قال الزمخشري في الكشاف في قوله تعالى: {كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس}: "كان عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على سابق عدم، ولا على انقطاع طارئ ... " اهـ ([2]).

وفي ورود صفة الرحمن في الآية الكريمة، ذكر ابن عاشور في تفسيره: " اختير وصف الرحمن من بين صفات الله تعالى، تنبيهاً على أن عبادة الأصنام توجب غضب الله، فتفضي إلى الحرمان من رحمته".

وفي إعادة لفظ (الشيطان) ذكر أيضاً: "وإظهار اسم الشيطان في مقام الإضمار، إذ لم يقل: إنه كان للرحمن عصيّا، لإيضاح إسناد الخبر إلى المسند إليه، ولزيادة التنفير من الشيطان، لأن في ذكر صريح اسمه تنبيهاً إلى النفرة منه، ولتكون الجملة موعظة قائمة بنفسها".

ومضة:

وبعد النهي {لا تعبدِ الشيطان}، جاء التعليل {إن الشيطان كان للرحمن عصيّا}، وهذا التعليل ساقه على سبيل التوكيد، وليس الخبر هنا على سبيل الإعلام بالشيء، فعصيان الشيطان لربه معلوم، فما الغرض منه؟ وما علة التوكيد فيه؟.

لعل الغرض منه هو مراعاة نفسية الطرف المقابل، فهو كما يظهر لنا من سياق الآيات ممن أخذته العزة بالإثم، ومثل هؤلاء لا بدّ من كشف أبعاد الإثم لديهم، ففي كشفها تلييناً لقلوبهم، فلفظ (الشيطان) يستدعي الزيغ والضلال، وإثبات عصيانه لربه صورة من صور الضلال، وبعد من أبعاده، بل هو المنطلق في سبيل الضلال، فهو بذلك ينبهه على عدم التمادي في الغي والعصيان، قال أبو السعود: "والاقتصاد على ذكر عصيانه من بين سائر جناياته، لأنه ملاكها، أو لأنه نتيجة معاداته لآدم عليه السلام وذريته، فتذكيره داعٍ لأبيه إلى الاحتراز عن موالاته وطاعته" ([3]).


([1]) التحرير والتنوير- سورة مريم:2603.
([2]) ينظر معاني النحو، د. فاضل السامرآئي - باب "الأفعال الناقصة (كان وأخواتها) "، ص:194.
([3]) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، تفسير أبي السعود- سورة مريم: 43 - 45.

ـ[قبة الديباج]ــــــــ[26 - 07 - 2007, 05:17 م]ـ
الدرجة الرابعة: استحضار العواقب:
يتابعُ إبراهيمُ -عليه السلام-: {يا أبتِ إني أخافُ أن يمسك عذابٌ من الرحمن}، بعد أن كشف حقيقة عبادة الأصنام، وأنها عبادة للشيطان، وعصيان للرحمن، بين له الباعث على هذه النصائح، وهو الخوف عليه من عذاب الرحمن، يقول ابن عاشور: "وللإشارة إلى أن أصل حلول العذاب بمن يحل به، هو الحرمان من الرحمة في تلك الحالة، عبر عن الجلالة بوصف الرحمن، وللإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنه أن يرحم، إنما يكون لفظاعة جرمه، إلى حد أن يحرمه من رحمته من شأنه سعة الرحمة".
وفي قوله: {إني أخاف} يقول أيضاً: "والتعبير بالخوف الدال على الظن دون القطع، تأدب مع الله تعالى، بأن لا يثبت أمراً فيما هو من تصرف الله، وإبقاء للرجاء في نفس أبيه، لينظر في التخلص من ذلك العذاب، بالإقلاع عن عبادة الأوثان".
وإمعاناً في استحضار العواقب، قال: {فتكون للشيطان وليّاً}، أي: صاحباً وتابعاً وقريناً في العذاب، فالموالاة هنا جرت مجرى المقارنة ([1]).

ومضة:
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير