تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانيا: أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع. ويتعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، وقد وقع في كلامهم ورواياتهم غير الفصيح من لسان العرب. ونعلم قطعاً من غير شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب. فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها. وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم الله ذلك له من غير معلم. والمصنف (أي ابن مالك رحمه الله)، قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقباً بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك، ولا صحب من له التمييز. وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وكان ممن أخذ على بن مالك ـ قلت له: يا سيدي، هذا الحديث رواية الأعاجم، ووقع فيه من روايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم. فلم يجب بشيء.

قال أبو حيان: وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب، وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول، كالبخاري ومسلم، وأضرابهما؟ فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث " أهـ.

وقال أبو الحسن ابن الضائع، وهو من المؤيدين لهذا الرأي: في "شرح الجمل": "تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة، كسيبويه وغيره، الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب، ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه أفصح العرب، قال: وابن خروف يستشهد بالحديث كثيراً، فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن، وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئاً وجب عليه استدراكه فليس كما رأى.

فحججهم تتلخص في الآتي:

أولا: أن الأحاديث رويت بالمعنى.

ثانيا: أن أئمة النحو المتقدمين من المصرين (مثنى مصر، أي الكوفة والبصرة)، لم يحتجوا بشيء منه.

ومن الردود على هذا:

أن النقل كان في عصر الاحتجاج حيث لم تفسد اللغة والتبديل كان تبديل لفظ بلفظ (أي أن التبديل وقع وحدث في عصر الاحتجاج). ويرد الأمر الثاني بأن عدم احتجاج المتقدمين بالحديث ليس دليلاً على عدم صحة الاستدلال به.

وقد رد الدماميني في [شرح التسهيل] على أبي حيان بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب إنما المطلوب غلبة الظن الذي هو الذي هو مناط الأحكام الشرعية، ثم إن الخلاف في جواز النقل بالمعنى إنما هو فيما لم يدون ولم يكتب وأما مادون وحصل في بطون الكتب فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير خلاف بينهم.

فالحديث قد نقله إلينا، رجال صدر الإسلام، وهم من أفصح العرب، فروايتهم بالمعنى لا تخرج الحديث عن كونه حجة في اللغة، لأن لغة رواته حجة، فالرواية بالمعنى، وإن كان فيها تصرف في لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أن المتصرف له من علم اللغة وعقل المعنى ما يجيز له هذا التصرف، مع اطمئنان النفس وسكونها لصحة روايته، حتى أن بعض المانعين لرواية الحديث بالمعنى كأبي بكر ابن العربي، رحمه الله، أجاز هذا للصحابة، رضوان الله عليهم، لما تقدم من مزيد فصاحتهم وعنايتهم ونزول الوحي بلغتهم وهم حاضرون. والله أعلم.

وما يدعيه المانع من وقوع اللحن والخطأ والتصحيف في الحديث، وقع مثله في الشعر. بل وجد فيما احتجوا به من الشواهد الشعرية نفس السببين اللذين أنكروهما على الأحاديث: وقوع التصحيف واللحن. . . والنقل بالمعنى أحيانا، كما أنهم لم يتحرجوا في الاحتجاج بما نقله مثل حماد الرواية، (حمّاد بن هرمز الديلمي ت 155 هـ) الذي كان ـ كما يقول يونس ـ:) يلحن، ويكسر الشعر، ويكذب، ويصح (، ويروى أن الكميت امتنع عن إملاء شعره عليه، وقد طلب منه ذلك، وقال له: أنت لحان ولا أكتبك شعري.

و كذا خلف بن حيّان الأحمر ت 180 هـ، وهو من موالي فرغانة، وقيل: أصله من خراسان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير