كان وروده قليلا، وسوف نتعرض لذلك عند تفصيلنا القول في تلك الجموع.
أولا ـ جموع القلة:
هو الجمع الذي يدل على عدد لا يقل عن ثلاثة، ولا يزيد على العشرة. وقد وضع له الصرفيون صيغا وقواعد عرفت بجمع القلة، واشهرها أربعة أوزان:
1 ـ أفْعُل: وهو قياسي في نوعين:
أ ـ يقاس لكل اسم مفرد على وزن " فَعْل "، ويشترط فيه أن يكون صحيح العين، سواء أكان صحيح اللام، أم معتلها، وألا تكون فاؤه واوا. فلا يجمع مثل " وهم " إلا على " أفعال ". مثل: وهم: أوهام، ووقت: أوقات، ووقف: أوقاف.
أما ما توفرت فيه الشروط فمثل: بحر: أبحر، ونهر: أنهر، ونجم: أنجم.
44 ـ ومنه قوله تعالى: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} 1.
وقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} 2.
وقد خرج عن القياس بعض الأسماء مما استوفت الشروط في الإفراد، وجاءت في الجمع على غير القاعدة.
مثل: سهل: سهول، وثغر: ثغور، ومهر: مهور، ودرب: دروب، وقلب: قلوب. وحرب: حروب، ودهر: دهور، وظهر: ظهور، وقصر: قصور.
45 ـ ومنه قوله تعالى: {وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا} 3.
وخرج عن القياس أيضا كثير من الأسماء المستوفاة للشروط لجمعها على " أفعُل "، ولكنها جمعت على " أفعال ".
مثل: صحب: أصحاب، وزند: أزناد، وفرخ: أفراخ، ونهر: أنهار، وحمل: أحمال، وحبر: أحبار.
46 ـ ومنه قوله تعالى: {أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} 4.
وقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} 5.
وقوله تعالى: {إن كثيرا من الأحبار والرهبان} 6.
ـــــــــــــ
1 ـ 27 لقمان. 2 ـ 197 البقرة.
3 ـ 74 الأعراف. 4 ـ 25 البقرة.
5 ـ 4 الطلاق. 6 ـ 34 التوبة.
10 ـ ومنه قول الحطيئة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ومنه قول الأعشى:
وجدت إذا اصطلحوا وزندك أثقب أزنادها
وللنحاة حول هذا الموضوع وقفة متأنية، فقد قال عنه صاحب التصريح " وشذ في فعْل " المفتوح الفاء، والصحيح العين، الساكنها، نحو: أحمال جمع حمل، بفتح الحاء، وسكون الميم، وأفراخ جمع فرخ، وأزناد جمع زند، ومما سمع فيه أيضا، شكل: أشكال، وسمع: أسماع، ولفظ: ألفاظ، ولحظ: ألحاظ " (1).
وقد عده ابن يعيش في شرح المفصل شاذا، فقال بعد أن بين الأوزان القياسية الأسماء التي تجمع على " أفعال "، فأما " فَعْل " فالقياس في تكسيره أن يجيء على " أَفْعُل ".
ككلب وأكلب، وكعب، أكعب، وقالوا في المضعف: صك وأصك، وضب، وأضب، وأما الكثير فبابه أن يجيء على " فِعال "، و " فُعول "، نحو قولك: كلب وكلاب، وفلس وفلوس، وربما تعاقبا على الاسم الواحد فقالوا: فرخ وفراخ وفروخ، وكعب وكعاب وكعوب. (2)
وقد تعرض له الأشموني في شرح الألفية وقال ما حصيلته أن " أفعال " أكثر من " أفعُل " في " فَعْل " الذي فاؤه واو، كوقت أوقات، ووهم أوهام، ووغد أوغاد، ووصف أوصاف. (3)
كما خرج عن القياس " عين "، فهي لم تستوف الشروط في المفرد، ومع ذلك جمعت على
ــــــــــــــــ
1 ـ في أصول اللغة ج2 ص28.
2 ـ شرح المفصل ج5 ص15.
3 ـ انظر شرح الأشموني على الألفية ج4 ص135.
" أعين "، 47 ـ كقوله تعالى: {ترى أعينهم تفيض من الدمع} 1.
وخلاصة القول إن القواعد التي وضعت لضبط جموع التكسير ليس من السهل السيطرة عليها سيطرة تامة، بحيث نقطع القول في قياسيتها مطلقا، ولكن نقول إنها مطردة إلى حد ما ووجودها يخفف على الدارس عبء البحث في معاجم اللغة، أو كتب الصرف والنحو على جموع التكسير دون قواعد أو ضوابط، مع كثرة الجموع السماعية التي لا ضابط لها، ولا قياس، وهذا ما حمل كثير من العلماء على القول إن جموع التكسير لا تخضع صيغه للقياس، وإنما تخضع للسماع.2.
هذا من جانب، ومن جانب آخر كان على النحاة من باب أولى ألا يطلقوا سمة الشذوذ على الألفاظ التي خرجت عن القواعد الأساس لتلك الجموع بحكم ورودها في القرآن الكريم، وارى أن أحدا لا يقول بأن بعض ما ورد في القرآن الكريم شاذ لخروجه عن القاعدة، ولكن نقول إنه قليل، إذا ما قورن بالقياس.
¥