فكلمة " تغريده، وخلقه "كل منهما جاءت بدلا من كلمة البلبل في المثال الأول، والطالب في المثال الثاني، ولكنها لا تطابقها في المعنى، ولا هي جزء منها، ولكن كلمة " تغريد " من المعاني أو الدلائل التي يشتمل عليها البلبل، الذي هو المبدل منه، وكذلك الحال بالنسبة لكلمة " خلقه " التي هي بدل من كلمة الطالب، ولكنها لا تطابقها في المعنى، ولا هي جزء منه، ولكنها من المعاني، أو الصفات التي يشتمل عليها الطالب، لذلك سمي البدل في هذه الحالة بدل اشتمال.
وفي الآية جاءت كلمة " قتال " بدل اشتمال من الشهر، لأن القتال ليس نفس الشهر، ولا جزء منه، ولكن القتال قد يكون من الأمور التي تحدث في الشهر الجرام.
والشاهد في البيت قوله: " مجدنا " حيث جاءت بدل اشتمال مرفوع من الضمير " نا " في " بلغنا "، لأن الضمير في محل رفع فاعل وهو المبدل منه.
فائدة: لا بد للبدل بعض من كل، وبدل الاشتمال من ضمير يعود على المبدل منه، كما لاحظنا في الأمثلة السابقة، ومنه قوله تعالى:
268 ـ {قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود} 1.
والتقدير: النار ذات الوقود فيه. أي: في الأخدود، فكلمة " النار " بدل اشتمال من الأخدود، لأن الأخدود يشتمل على النار، وليست النار هي الأخدود، ولا جزءا منه.
رابعا ـ البدل المباين:
هذا النوع من أنواع البدل لا يعنينا كثيرا، ولكن سنذكر عنه القليل ليفيد منه الدارس.
ينقسم هذا النوع من البدل إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ بدل الإضراب: وهو أن تخبر عن المبدل منه بشيء، ثم يعن لك أن تخبر عنه بشيء آخر. كأن تقول: تصدقت بدرهم بدينار.
ـــــــــ
1 ـ 4 الروم.
فأنت تريد أن تخبرنا، بأنك قد تصدقت بدرهم، ثم بدا لك أن تخبرنا، بأنك قد تصدقت بدينار.
2 ـ بدل الغلط: وهو أنك لا تريد أن تخبرنا بأنك تصدقت بدرهم، وتريد أن تتصدق بدينار، ولكن غلَطَ لسانك، وأخبرت عن تصديقك بدرهم.
3 ـ بدل النسيان: وهو أنك لا تريد الإخبار عن التصديق بالدرهم، فلما نطقت بذلك تبين لك هذا القصد، ومن هنا سمي بدل النسيان، وأمثلته كأمثلة سابقيه.
ومنه: أكلت خبزا لحما، وزارني محمد أحمد.
فوائد وتنبيهات:
1 ـ يجوز أن يكون البدل والمبدل منه نكرتين.
نحو قوله تعالى: {إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا} 1.
فالبدل " حدائق " وهي نكرة، والمبدل منه " مفازا " وهو نكرة أيضا.
2 ـ ويجوز أن يكون معرفتين.
نحو قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} 2.
فالبدل " من " وهي اسم موصول معرفة، والمبدل منه " الناس " معرفة أيضا.
3 ـ كما يجوز أن يكونا مختلفين، كأن يكون المبدل منه معرفة، والبدل نكرة.
نحو قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} 3.
فالبدل " قتال " وهي نكرة، والمبدل منه " الشهر " وقد جاء معرفة، وهذا جائز.
4 ـ يجوز البدل من الضمير الحاضر، إذا كان بدلا مطابقا، يفيد الإحاطة والشمول، أو بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال.
269 ـ نحو قوله تعالى: {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} 4.
فـ " أولنا " بدل من الضمير المجرور " نا " في قوله: " لنا ". ومنه المثال السابق
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ 31، 32 النبأ. 2 ـ 97 آل عمران.
3 ـ 217 البقرة. 4 ـ 114 المائدة.
وهو قول الشاعر: بلغنا السماء مجدنا.
117 ـ ومثال بعض من كل قول الشاعر:
أوعدني بالسجن والأداهِمِ رِجْلِي فَرِجلي شَتْنَة المناسم
فكلمة " رجلي " بدل بعض من كل من الضمير " الياء " في " أوعدني ".
كما يجوز إبدال الظاهر من الضمير الغائب.
270 ـ نحو قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} 1.
حيث أبدل " الذين " من " الواو " في " أسروا ".
5 ـ إذا أبدل من اسم الاستفهام، وجب دخول همزة الاستفهام على البدل.
نحو: من ذا؟ أمحمد أم أحمد؟، ونحو: متى تأتينا؟ أغدا أم بعد غدٍ؟
6 ـ يجوز إبدال الجملة من المفرد وبالعكس.
مثال الأول: لا أستطيع أن أحكم على خالد ما منزلته بين الكتاب.
فجملة: ما منزلته بين الكتاب في محل جر بدل من " خالد ".
ومثال الثاني: لا إله إلا الله كلمة الإخلاص ينجو قائلها من الزلل.
وإعراب الجملة السابقة كالتالي: جملة لا إله إلا الله محكية في محل رفع مبتدأ.
وكلمة: بدل مرفوع من الجملة السابقة. الإخلاص: مضاف إليه مجرور.
وجملة: ينجو قائلها في محل رفع خبر.
7 ـ يجوز إبدال الفعل من الفعل. نحو: من يصل إلينا يستعن بنا.
فيستعن بنا بدل من يصل إلينا.
271 ـ ومنه قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب} 1.
فالفعل يضاعف بدل من يلق، وله إعرابه.
118 ـ ومنه قول الشاعر:
إنَّ عَلَيَّ الله أن تُبايعا تؤخذَ كرها أو تجيءّ طائعا
ـــــــــــــ
1 ـ 3 الأنبياء. 1 ـ 68 الفرقان.
فالفعل تؤخذ بدل من تبايعا، وله إعرابه لذلك نصب، لأن تبايعا منصوب بأن المصدرية.
119 ـ ومنه قول الآخر:
متى تأتنا تلمم بنا في دارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
فالجملة الفعلية " تلمم بنا، بدل من الجملة الفعلية تأتنا.
فارس العربية الخـ زيد ـــــــــــيل
¥