كانت تلك جملة من التعريفات التي استعرضها البطليوسي في كتابه إصلاح الخلل الواقع في كتاب الجمل للزجاجي، وتقويمه لها ورده عليها. ومن خلال استعراضنا السريع لما ذكره البطليوسي، لم نقف فيه على جديد في تعريف الحرف، أو وضع تعريف معين لما يمكن للنحاة الاتفاق عليه. وخلاصة ما سبق أن البطليوسي صحح ـ لا أكثر، ولا أقل ـ لبعض النحاة تعريفاتهم التي كان يرها فيها خللا من وجهة نظره لعدم دقة تعبيرها، ثم أقر بأن أدق التعبيرات في حد الحرف هو ما ذكره سيبويه في كتابه، ثم ما عرفه به البطليوسي نفسه. وهذا الذي ذكرنا لا يكفي للوقوف على تعريف الحرف تعريفا دقيقا، لأن فيه من التباين، والاختلاف ما يضع الدارس في متاهة لا يحسن الخروج منها، لذلك رأينا أن نستعرض آراء أئمة النحو غير الذين ذكرنا لعلنا نصل إلى جديد، وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ راجع كتاب إصلاح الخلل الواقع في الجمل للزجاجي،
لعبد الله بن السيد البطليوسي ص 27، 31 بتصرف.
عرض الآراء: ـ
انقسم النحويون في تعريف الحرف إلى فريقين، فريق يقول بدلالة الحرف على معنى في غيره، وفريق يقول بدلالته على معنى في نفسه، كما هو الحال في الاسم، والفعل، وسوف نستعرض معا أقوال كل من الفريقين لعلنا نصل إلى جديد.
أولا ـ آراء الفريق القائل بدلاله الحرف على معنى في غيره:
1 ـ الزمخشري: وهو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري صاحب كتاب المفصل في علم العربية قال: " الحرف هو ما دل على معنى في غيره، ومن ثم لم ينفك من اسم، أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة حذف فيها الفعل واقتصر على الحرف فجرى مجرى النائب " (1).
2 ـ ابن يعش: موفق الدين يعش بن على بن يعش صاحب كتاب شرح المفصل، لقد تابع ابن يعش الزمخشري في تعريف الحرف، فقال شارحا معنى قول الزمخشري " وقولنا دلت على معنى في غيرها ـ يعني الكلمة المقصود بها الحرف ـ فصل ميزه ـ أي الحرف ـ من الاسم والفعل، إذ معنى الاسم، والفعل في أنفسهما، ومعنى الحرف في غيره " (2). ثم مثل على قوله بكلمة (الغلام) بأنه قد فهم منها المعرفة، ولكن إذا ذكرت كلمة " أل " مفردة لو يفهم منها معنى، وإذا قرنت بما بعدها من اسم أفادت التعريف فيه، وهذا معنى دلالتها في غيرها.
3 ـ ابن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عقيل صاحب شرح الألفية قال: " وإن لم تدل على معنى في نفسها ـ يعني الكلمة ـ بل في غيرها فهي الحرف " (3).
4 ـ ابن الناظم: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن مالك صاحب الألفية قال في شرحه على ألفية والده: " هذه الحروف ـ يعني حروف الجر ـ كلها مستوية
ـــــــــــــــــ
1 ـ المفصل ص 283.
2 ـ شرح المفصل ج8، ص2.
3 ـ شرح ابن عقيل ج1، ص15.
في الاختصاص بالأسماء، والدخول عليها لمعان في غيرها " (1).
5 ـ الحسن بن قاسم المرادي صاحب كتاب الجنى الداني في حروف المعاني قال: " وقد حد الحرف بحدود كثيرة ومن أحسنها قول بعضهم: الحرف كلمة تدل على معنى في غيرها فقط " ثم فسر ذلك بقوله: " إن دلالة الحرف على معناه الإفرادي غير متوقفة على ذكر متعلق ألا ترى أنك إذا قلت " الغلام " فهم منه التعريف، ولو قلت " أل " مفردة لم يفهم منه معنى، فإذا قرن بالاسم أفاد التعريف " (2).
6 ـ وممن تابعهم من النحاة المحدثين عباس حسن فقال في كتابه النحو الوافي: " الحروف: من، في، على ... إلخ لا تدل كل كلمة من الكلمات السابقة على معنى، أي معنى، مادامت منفردة بنفسها. لكن إذا وضعت في كلام ظهر لها معنى لم يكن من قبل ". ثم قال في مكان آخر: " فالحرف كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها فقط ـ بعد وضعها في جملة ـ دلالة خالية من الزمن " (3).
7 ـ أبن جني: أبو الفتح عثمان بن جني صاحب كتاب اللمع في العربية قال: " والحرف ما لم تحسن فيه علامات الأسماء، ولا علامات الأفعال، وإنما جاء لمعنى في غيره " (4).
ثانيا ـ الفريق القائل بدلالة الحرف على معنى في نفسه:
¥