ذكر بعض النحويين إنما سمي الحرف كذلك لأنه طرف في الكلام، وفضلة، وهو يعني في اللغة طرف كل شيء وشفيره وحدُّه (1). فقالوا حرف الجبل أي حدّه وهو أعلاه المحدد. وقال البعض: سمي كذلك لنه يأتي على وجه واحد. والحرف لغة هو الوجه الواحد، ومنه قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} 2.
أي: يعبده على السراء، فإذا نزلت به الضراء انقلب، وانقطع عن العبادة، فكانت عبادته لله على غير تمكن، وطمأنينة، ويبدو أن الحرف سمي حرفا لأنه طرف في الكلام، كما أوضحنا، وأما قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف}، فهو راجع إلى هذا المعنى، لأن الشاك كأنه على طرف من الاعتقاد وناحية منه (3).
ثانيا ـ تقسيم الأحرف من حيث عملها:
تنقسم الحروف من حيث الإعمال، والإهمال إلى قسمين: ـ
1 ـ أحرف عاملة: وهي الحروف التي إذا دخلت على الاسم، أو الفعل أثرت في إعرابه، وغيرته من حالة إعرابية إلى حالة أخرى مغايرة لما كان عليه الاسم، أو الفعل قبل دخول الحرف عليه، فإذا دخل حرف الجر على الاسم عمل فيه الجر، كأن نقول: الطلاب في الفصول، فكلمة الفصول أصبحت مجرورة بفعل حرف الجر " في " وعمله، وكذلك إذا دخل حرف النصب " لن " على الفعل، كأن نقول: لن أقول غير الحقيقة. نجد أن الفعل " أقول " قد تغير شكل أخره بفعل حرف النصب فيه، فقد عمل فيه النصب، وهكذا بقية الحروف العاملة، فهي تنزل بما بعدها من الأسماء، والأفعال الرفع، أو النصب، أو الجزم، أو الجر، وسنبين ذلك مفصلا في موضعه إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــ
1 ـ القاموس المحيط ج3، ص 126.
2 ـ 11 الحج.
3 ـ الجنى الداني للمرادي ص 24، 25.
2 ـ حروف غير عامله: وهي الأحرف التي إذا سبقت الاسم، أو الفعل لا تعمل فيه، ولا تؤثر عليه إعرابيا، كحروف النداء قبل الاسم، وحروف الاستفتاح، والسين، وسوف، وقد قبل الفعل، وغيرها من بقية الحروف غير العاملة، والتي سنذكرها مفصلة في موضعها. وقد حصر النحاة الحروف العاملة، وغير العاملة في عدد معين، وإن كان هذا العدد قل عند البعض، وزاد عند البعض الآخر بسبب إدخال بعض الحروف في مواضع مختلفة عند بعض النحاة، وحذفها، أو عدم العمل بها عند آخرين، وقد تتبعت هذه الحروف في جل كتب النحو، واستطعت الوقوف على ستة وتسعين حرفا عاملة، وغير عاملة.
أقسام الحروف العاملة: ـ
تنقسم الحروف العاملة إلى أربعة أقسام:
أولا ـ حروف تعمل الجر، ويتراوح عددها ما بين سبعة عشر حرفا في المفصل للزمخشري، وبين العشرين في الأشموني، وشرح ابن عقيل، والثلاثة وعشرين حرفا في رصف المباني، وإليكها كما ذكرها الزمخشري:
الباء، التاء، اللام، الكاف، الواو، من، عن، في، مذ، إلى، على، حتى، منذ، حاشا، خلا، عدا. وقد أضاف عليها الأشموني، وابن مالك: كي، لعل، متى.
وأضاف عليها المالقي: مُن بضم الميم، ومعْ الساكنة العين، ولولا.
فالحروف التي ذكرها الزمخشري لا حاجة لنا في الحديث عنها لأنها مفصلة في باب المجرورات، أما زيادة " كي، لعل، متى " عند ابن عقيل والأشموني فسنفصل الحديث فيها الآن.
1 ـ كي:
إن منشأ الخلاف حول اعتبار " كي " حرفا من حروف الجر أو عدمه يرجع إلى أن " كي " لها استعمالات أخرى غير الجر وهي:
أ ـ تأني حرفا مصدريا ونصب بمعنى " أن "، وغلب ورودها مع اللام لفظا نحو: نحو: ادرس لكي تنجح. أو تقديرا، نحو: ادرس كي تنجح.
124 ـ ومنه قوله تعالى: {لكي لا يكون على المؤمنين حرج} 1.
فهي ناصبة للفعل بنفسها لاقترانها بلام التعليل، وإذا لم تتصل باللام يجوز فيها أن تنصب بنفسها، أو بأن المصدرية المقدرة.
125 ـ كقوله تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها} 2.
ومتى سبقت " كي " بلام التعليل الجارة كانت حرفا ناصبا ليس غير، والمصدر المؤول منها ومن الفعل يعرب في محل جر بلام التعليل.
كقوله تعالى: {لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} 3.
وإذا لم تتصل باللام فيجوز فيها أن تكون تعليلية جارة للمصدر المؤول من " أن " المضمرة وجوبا، والفعل المضارع بعدها (4).
نحو: عاقبت المهمل كي يعمل الواجب.
¥