تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا بحث كتبته قبل مدة عن مسألة الحمل على المجاور .... قد يفيد!:

التمهيد:

من مظاهر حياة اللغة وميلها لليسر والسهولة تأثر الألفاظ ببعضها إذا تجاورت، ومن ذلك ما يسميه النحاة " الجر على الجوار " إذ يجر فيه الاسم بتأثير اسم سابق له، لمجرد استحسان لفظي دون علاقة لذلك بالمعنى.

وتأثير المجاور لم يعرف عند النحاة إلا في حركة الجر ()، ولم يخرج عن أبواب التوابع () وهي: النعت والتوكيد والعطف والبدل على تفصيل في ذلك سيأتي لاحقاً.

وقد اتفق النحاة على أن الجر على الجوار لم يقع في باب البدل، قال أبو حيان:" وأما في البدل فلا يحفظ ذلك من كلامهم، ولا خرّج عليه أحدٌ ممن علمناه " ()، وعلل لذلك ابن هشام فقال:" وينبغي امتناعه في البدل؛ لأنه في التقدير من جملة أخرى، فهو محجوزٌ تقديراً" () أي أنه يفصل بين المتجاورين تقديراً العامل في البدل.

إنما الخلاف بين النحاة في حدوثه في غير البدل من باب التوابع وتفصيل ذلك فيما يلي:

المناقشة:

اختلف النحاة في وقوع الحمل على المجاور في أبواب: النعت والتوكيد والعطف، وللنحاة في ذلك ثلاثة آراء:

الرأي الأول:

وهو رأي سيبويه () وأبي عبيدة () والأخفش () والمبرد () وغيرهم ()، وهو رأي جمهور النحاة () من بصريين وكوفيين، فهم يجيزون الجر على الجوار مطلقاً، حيث يرونه وجهاً في العربية وإن خالف الأصل في متابعة التابع المتبوع، قال سيبويه:" ومما جرى نعتاً على غير وجه الكلام (هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ) فالوجه الرفع، وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم، وهو القياس، لأن الخرب نعت الجحر والجحر رفع، ولكن بعض العرب يجره " () وقال الفراء في قوله تعالى:) اِشْتَدَّتْ بِهِ الْرِّيْحُ فِي يَومٍ عَاصِف ([إبراهيم: 18]: "وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصَّة فلما جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذ أشبهه " ().

أما الجمهور فيجيزونه في باب النعت والعطف وبندرة في باب التوكيد وشرطهم في ذلك أن يؤمن اللبس، وقد أكد ذلك السمين بقوله:" وهذه المسألة عند النحويين لها شرط وهو أن يؤمن اللبس كما تقدم تمثيله [أي بقول: هذا جحرُ ضبٍّ خربٍ]، بخلاف: (قام غلام زيدٍ العاقلِ) إذا جعلت (العاقل) نعتاً للغلام امتنع جره على الجوار لأجل اللبس " ().

وقد استشهد القائلون بهذا الرأي على مذهبهم بالسماع في كثير من الآيات والشواهد الشعرية، حتى قال العكبري:" وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد" () فمن ذلك:

· في باب النعت:

o قوله تعالى:) عَذَابَ يَوْمٍ مّحِيطٍ ([هود:84] فاليوم ليس بمحيط، إنما المحيط هو العذاب، وكان حق كلمة (محيط) الرفع؛ ولكن الجر هنا لمجاورة (يوم)

o وقوله تعالى:) مّثَلُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدّتْ بِهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ([إبراهيم:18] إذا أريد بكلمة (عاصف) أن تكون وصفاً للريح، فالأصل فيها (الرفع)؛ إنما جرت لمجاورة المجرور.

o وقوله تعالى:) إِنّ اللّهَ هُوَ الرّزّاقُ ذُو الْقُوّةِ الْمَتِين ([الذاريات:58] في قراءة () من جر (المتين)، وهو صفة لـ (ذو) الأصل فيه الرفع؛ لكنه جُرَّ لمجاورته (القوة).

o قول الشاعر ():

كأنَّما ضُربتْ قُدَّام أعينها قطناً بمستَحْصِد الأَوْتَارِ محلوجِ

فـ (محلوج) نعت للقطن، الأصل فيه النصب، لكنه جر لمجاورة (الأوتار).

o وقوله ():

تُريك سُنَّةَ وجهٍ غَيْرِ مَعرفةٍ مَلْسَاءَ ليس بها خالٌ ولا نَدْبُ

فـ (غير) صفة لـ (سنة) الأصل أن تنصب، لكن جرت لمجاورتها (وجه) المجرورة.

o وقول الشاعر ():

وإيّاكم وَحَيَّةَ بطن وادٍ هموزِ النَّاب ليس لكم بسيِّ

فـ (هموز) صفة لـ (حيه) حقها النصب، لكن جرت المجاورة (وادٍ) المجرورة.

o وقول الراجز ():

(كأنَّ نَسْجَ العَنْكبُوتِ المُرمِّلِ)

فـ (المرمل) نعت لـ (نسج)، والأصل أن تنصب، لكن جر لمجاورة (العنكبوت) المجرورة.

o وقول العرب (): " هذا جُحرُ ضَبٍّ خربٍ"

إذ الأصل في (خرب) الرفع، وعليه أكثر الروايات لأنه صفة للجحر لا للضب، لكنه جر لمجاورة المجرور.

· في باب العطف:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير