تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد حصره النحاة في حرف واحد وهو (الواو)، قال ابن مالك:" وتنفرد (الواو) بجواز العطف على الجوار ... " () فالخفض على الجوار في باب العطف مقصور على حرف (الواو) دون غيره من حروف الجر. ومن شواهد النحاة في ذلك:

1 - قوله تعالى:) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ([المائدة: 6] في قراءة () من قرأ بجر: " أرجلكم" إذ الأصل أن الأرجل تغسل، لذلك جعلوها في المعنى معطوفة على وجوهكم فحقها النصب إلا أن قراءة الجر كانت حملاً على المجاورة لـ (رؤسكم).

2 - قوله تعالى:) وَحُوْرٍ عِيْنٍ ([الواقعة:22] فيمن جّرَّهُما ()، فإن العطف حقيقة على:) وِلْدانٍ مُخَلَّدُونَ ([الواقعة: 17] لا على:) أَكْوَابٍ وَأَبَارِيْقَ ([الواقعة:18] إذ ليس المراد أن الولدان يطوفون بالحور.

3 - قوله تعالى:) لَمْ يَكُنِ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ حَتّىَ تَأتِيَهُمُ الْبَيّنَةُ ([البينة:1] فـ (المشركين) مجرور بالجوار. وحقه الرفع لأنه في المعنى معطوف على اسم (يكن).

1 - قول الشاعر ():

يا صاحِ يا ذا الضامر العنسِ والرحلِ والاقتابِ والحلسِ

برواية الرفع في (الضامر)، والشاهد فيه جر (الرحل) للمجاورة وحقه الرفع للعطف على الضامر ". وقد تفرد ابن مالك () بالاستشهاد به في هذه المسألة.

2 - وقول الآخر ():

لَعِبَ الرياحُ بها وغَيَّرها بَعْدي سَوَافي المورِ والقطرِ

فالأصل في (القطر) الرفع بالعطف على (سوافي) إلا أنه جر لمجاورة (المور).

· في باب التوكيد:

وقد حكموا على الجر للمجاورة فيه بالندرة، إذ لم يُحفظ عن العرب في هذا الباب سوى بيت واحد، وهو قول الشاعر ():

يا صاحِ بَلِّغ ذوي الزوجاتِ كُلِّهِمُ أنْ ليس وصلٌ إذا انحلت عرى الذنب

فجَّر (كل) اتباعاً لـ (زوجات)، وحقه النصب لأنه توكيد لـ (ذوي).

الرأي الثاني:

وهو رأي الزمخشري () وأبي حيان () وابن هشام () والسمين الحلبي () وهم يجيزون الجر على الجوار، إلا أنهم قصروه على باب النعت، ولا يجيزونه في باب العطف وبخاصة عطف النسق.

وقد ردوا شواهد من أجاز ذلك في باب العطف، فقال الزمخشري في قوله تعالى:) وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ([المائدة:6]: " قرأ جماعة "وأرجلكم" بالنصب، فدلَّ على أن الأرجل مغسولة. فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟، قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تُغْسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعُطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صبِّ الماء عليها " () فجعل الجر هنا حقيقة بالعطف على المجرور لا لتأثير المجاور لحكمة سامية أرادها المعنى.

ونقل ابن هشام في هذه الآية تأويلين يستبعد فيهما أن يكون الحمل هنا على المجاورة فقال:" أحدهما: أن المسح هنا الغُسْل، قال أبو علي: حكى لنا مَنْ لا يُتَّهم أن أبا زيد قال: المسح خفيف الغسل، ليُقْتَصَد في صب الماء عليهما؛ إذ كانت مظنة الإسراف، والثاني: أن المراد هنا المسح على الخفين، وجعل ذلك مسحاً للرِّجْل مجازاً، وإنما حقيقته أنه مسح للخف الذي على الرِّجل، والسُنَّة بينت ذلك " () ثم رجح هذا الرأي معتمداً على ثلاثة أمور:" أحدها: أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ فينبغي صون القرآن عنه، والثاني: أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه والأيدي؛ فيلزم من ذلك الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية (وامسحوا برؤوسكم)، وإذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي، والأصل ألا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلاً عن الجملة. الثالث: أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور، وعلى التقدير الأول حمل على غير المجاور، والحمل على المجاور أولى " ().

وأكد ذلك السمين بقوله: " وإذا لم يرد [الجر على الجوار] إلا في النعت، أما ما شذ من غيره، فلا ينبغي أن يخرج عليه كتاب الله تعالى " ().

وقد علل أصحاب هذا الرأي لقولهم بأمرين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير