تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التنبيه الثاني: أرجح الأوجه السَّابقة الجرُّ؛ لأنّه لا حذف معه ([79])، وزيادة (ما) لكثرتها لا توجب ضعفه بخلاف الرَّفع، فإن فيه حذف العائد المرفوع وهو في حدِّ ذاته شاذٌّ قياسا وسماعا، إذا لم يحصل طول كما في بعض أمثلة ما نحن فيه، نحو: (أكْرِمْ الرجالَ ولاسيّما زيدٌ) بخلاف نحو: (ولاسيّما رجلٌ كريمٌ) للطول بالوصف، ومقتضى هذا أن يُقيَّد ضعف الرَّفع بعدم الطّول، لكنَّهم أطلقوا ضعف رجحان الجرّ عليه نظراً إلى أنّ الجرَّ ليس في جزئياته شذوذٌ ما، بخلاف الرَّفع فإنَّ بعض جزئياته شاذٌّ، ولاشكَّ أنّ ما كانت جميع جزئياته غير شاذَّة أقوى ممَّا بعض جزئياته شاذّ، هذا وإن كان الحذف بالنَّظر لهذا التركيب غير شاذّ كما سبق، (فإيجابُه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه)، هكذا قلت في "الصَّغير"، وقولي: (فإيجابه الضَّعف من حيث ما هو الشَّأن فيه) إشارة لجواب ما وجدته [بخطّ] ([80]) بعض الأذكياء على طرَّة شرح المصنّف، ومعناه: أنَّ الحذف هنا مستثنى من قول ابن مالك: (وإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ * فَالْحَذْفُ نَزْرٌ) ([81]) فما معنى التضعيف به وإلاَّ لزم التضعيف بكل مقيس أو التحكم أو بيان الفرق، وكَتَبَه المعترض اعتراضا عليّ، مع ما رأيت من محاولتي الجواب عنه المشعر به، فعجبي ممَّن لا يفهم كلام النَّاس كيف يتعرض [للكتابة] ([82]) عليه.

ويمكن الجواب أيضا: بأنَّا لا نُسلّم أنه مستثنى من الشّذوذ السَّماعيّ والقياسيّ معًا بل من الأوَّل فقط، وهذا لا ينافي ضَعْفه من حيث التزام ما هو شاذّ في القياس.

وأيضا: يُضَعِّفه أنه في نحو: (ولاسيّما زيدٌ) إطلاق (ما) على من يعقل ([83]).

وسكتوا فيما أعلم عن النَّصب، ويُؤخذ من تعليل أرجحيته الجرّ السَّابق أنه أولى من الرَّفع، وإنْ كان أدْونَ من الجرّ من حيث إطلاق (ما) على من [4/ب] يعقل في نحو:

(ولاسيّما رجلا كريمًا) على الوجه الثاني الَّذي سبق استغرابه، هذا وإن أشعر تقديم الرَّفع على النَّصب في كلامهم بخلافه.

ثُمَّ أخذ في مفهوم قوله: (إِنْ نُكِّرا) فقال: (وَالنَّصْبُ إِنْ يُعرِّفِ اسْمٌ فَامْنَعا) إذْ هو على التمييز وهو لا يكون إلاَّ نكرة وقدَّم المعمول لإفادة الحصر، فأُخِذ منه جواز الوجهين السَّابقين، أعني: الجرّ والرَّفع، وكذا يأتي جميع ما يتعلق بـ " سيّ " وبما عليهما، وقيل: يجوز النَّصب أيضا، وكأنّه مبنيّ على جواز تعريف التمييز كما هو قول الكوفيين ([84]).

وقال في " المغنيّ " ([85]): (وأمَّا انتصاب الاسم المعرفة في (ولاسيّماً زيدًا) فمنعه الجمهور، وقال ابن الدّهان: لا أعرف له وجها، ووجّهه بعضهم بأنَّ (ما) كافّةٌ، وأنَّ (لاسيّما) نُزّلت منزلة " إِلاَّ " في الاستثناء؛ ورُدَّ بأنَّ المستثنى مُخرِجٌ وما بعدها داخل بالأَوْلى؛ وأُجيب بأنّه مُخرِجٌ ممَّا أفهمه الكلام السَّابق من مساواته لما قبلها، وعلى هذا فيكون استثناءً منقطعا) انتهى كلام " المغنيّ " حرفا بحرف.

وقولُ المعترِض على النَّقل إنَّ قوله: (ورُدَّ) إلى قوله: (وعلى هذا) ليس من كلام " المغنيّ "، ممنوعٌ فإنَّه مصرَّح به [فيه] ([86]) هكذا، فلعلَّ المعترِض اطلع على نسخة محرَّفة؛ إلاَّ أنَّ جعْله الاستثناء منقطعا فيه نظرٌ؛ إذ هو مخرج من المحكوم عليهم بالمساواة، ومعنى (ساد العلماءُ ولاسيّما زيدٌ) تساوى العلماء في السّيادة إلاَّ زيد، وحينئذٍ فهو استثناء متصل لدخول المستثنى في المستثنى منه، وقد بيّنا ذلك في " الصَّغير " عند قول المصنّف: (وَامْنَعْ عَلَى الصَّحِيحِ الاِسْتِثْنا بِهَا)، الَّذي هو بناء على ما سبق عن " المغنيّ "، كالعلَّة لقوله هنا: (والنَّصْبُ إِنْ يُعرَّفِ اسْمٌ فَامْنَعَا)، وفي البدر الدَّمامينيّ على " المغنيّ " ([87]) لا مانع من نصب المعرفة بفعل محذوف، أي: ولا مثْل شيءٍ أعني زيدًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير