تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وبَعْدَ سِيٍّ [جُملةً فَأَوْقِعا] ([88])): أطلق (سيّ) وأراد (سيّما) من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، أو أنّ فيه حَذْفَ (الوَّاو) وما عطفت، فالأصل: وبعد (سِيٍّ) وما لازمها أعني: كلمة " ما "، جملةً فأوْقِعا، أي: أجزْ وقوعها بعدها، وذلك إذا نُقلت (سِيّما) وجُعلت مفعولا مطلقا، كما هو صريح كلام الرَّضيّ الآتي، وإن كان كلام المصنّف لا يفيده؛ (أجَاز ذَا الرَّضِيْ) حيث قال ([89]): (ويُحذف ما بعد " سِيّما " على جعله بمعنى: خصوصا، فيكون منصوبَ المحل على أنّه مفعول مطلق على بقائه على نصبه الَّذي كان له في الأصل [حين] ([90]) كان اسمَ لا التبرئة، فإذا قلت: (أُحبّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) فـ " راكباً " حال من مفعول الفعل المقدَّر، أي: وأخصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا، وكذا في " أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ ") انتهى. هكذا نقل المصنّف في شرحه، ومحلُّ الشَّاهد آخرُ العبارة، أعني قوله: (وكذا في: أُحبُّه ولاسِيّما وهو راكبٌ)؛ لأنه هو الَّذي وقعت فيه جملةٌ بعد (ولاسيّما)، فأمَّا قوله: (أُحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكباً) فليس فيه جملةٌ لا بحسب الحال الرَّاهنة وهو ظاهر ولا قبل الحذف؛ إذ المحذوف مفرد هو لفظ (زيد)، والأصل: (ولاسِيّما زيدٌ راكباً) هكذا يتعين ولا نقول بقول المصنّف إنَّ الشَّاهد فيه أيضا؛ لأنَّ فيه جملةً هي جملةُ (أخُصُّه) العامل في (ولاسِيّما)، وتُقدّره مؤخَّرا ليكون واقعا بعدها؛ لأنَّ هذا يبطله أمور:

الأوَّل: أنّه حيث جعل الشَّاهد أوَّل العبارة تعيَّن عليه أن يقدّر العامل مؤخرا، وهو خلاف الأصل، فلا معنى لتعيّنه بل ولا لارتكابه لغير موجبٍ، ولئن سُلّم أنَّ هذا معنى كلام الرَّضيّ لرُدّ بشيءٍ آخر، هو أنّنا سمعنا العرب تقول: (أحبُّ زيدًا ولاسِيّما راكبًا) ([91])، فمن أين يأتينا أنَّ العامل مؤخَّرٌ حتى نقدّره كذلك ويكون من قبيل [5/أ] وقوع الجملة بعدها؟.

الثاني: أنَّ هذا التقدير على تسليمه ممكِنٌ في كلّ مثالٍ، فيقتضى أنَّ كلّ كلام وردت فيه (سِيّما) بمعنى: خصوصا لا يكون بعدها إلاَّ جملة، هي جملة العامل المؤخَّر، وتخصيصه ببعض الأمثلة مع إمكانه في جميعها تحكّمٌ، وهذا المقتضى مخالف لقولهم على مذهب الرَّضيّ تأتي (سيّما) بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها [المفرد] ([92]) والجملة.

الثالث: أنّه مخالف لتقدير الرَّضيّ نفسِه، إذ هو قدّر العامل مُقدَّما مُعبِّرا عن (سيّما) بخصوصا، حيث قال فيما سبق: (أي: وأخُصُّه بزيادة المحبة خصوصا راكبا) ([93])، وحَمَله على أنّه مجرّدُ [حَمْلِ] ([94]) معنى، وأنَّ الإعراب خلافه بعيد كلّ

البعد.

الرَّابع: قولهم: ظاهر كلام الرَّضيّ أنه إذا لم يُحذف ما بعدها بل ذُكِر لا تكون بمعنى: خصوصا، فدلَّ هذا على أنَّ المحذوف شيء يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا، ولا يسع العاقل أن يقول: إنّ العامل فيها بناء على أنها بمعنى: خصوصا، يمكن وجوده مع كونها ليست بمعنى: خصوصا لما فيه من التنافي، فالحقّ أنَّ معنى كلام الرَّضيّ أنَّ (سيّما) تأتي بمعنى: خصوصا، فيقع بعدها المفرد كما هو المثال الأوَّل، والجملة كما هو المثال الثاني، وهو محلّ شاهدنا ولا تنافي في الكلام أبدا، خلافا لقول المصنّف أيضا: إنَّ هذا التقدير منافٍ لكلام الشَّارح أوَّلا، وذلك أنّه فرض الكلام أوَّلاً في وقوع الجملة بعدها، وهذا [التقدير] ([95]) يفيد أنَّ الواقع بعدها في المثال الأوَّل مفرد، فلو أنصف لَما قال ما قال والله يقول الحقّ وإليه المآل، انتهى.

وقد عرفت أنّه لا تنافي إذ يكفينا [شاهدُ] ([96]) آخرِ العبارة، وأمَّا المثال الأوَّل فيتعيَّن أنّه من قبيل المفرد كما عرفتَ لِمَا عرفتَ، لا لكون العامل يمتنع تقديره مؤخَّرا كما توهّم بعضٌ أنّه دليلنا، فشنَّع علينا بأنَّ الحقّ جوازُ تقديره مقدَّما ومؤخَّرا، ومن ادّعى وجوب أحدهما فعليه البيان؛ إذِ الدّعاوى لا تقبل بلا بيّنة، وكَتَب هذا المعترض تبعا للمصنّف ما قاله المصنّف وقد علمت ردّه.

تنبيه: ما سبق من نقل (لاسِيّما) إلى المفعولية المطلقة فتقع الجملة بعدها لم يوجد إلاّ للرَّضيّ ([97]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير