زحف غازان التتري وجيشه من إيران نحو حلب. وفي وادي سليمة يوم 27 ربيع الأول سنة 699 التقى جمع غازان بجمع الناصر بن قلاوون, وبعد معركة حامية الوطيس هزم جمع الناصر وولى الجند والأمراء الأديار, ونزح أعيان دمشق إلى مصر يتبعون سير الناصر, حتى خلت دمشق من حاكم أو أمير أو أعيان البلاد, لكن شيخ الاسلام ابن تيمية بقي صامدا مع عامة الناس فاجتمع شيخ الاسلام مع من بقي من أعيان البلاد, واتفق معهم على تولي الأمور, وأن يذهب هو على رأس وفد من الشام لمقابلة غازان. فقابله في بلدةٍ ما وقد دارت بينهما مناقشة عنيفة. قال البالسي: قال الشيخ ابن تيمية لغازان وترجمانه يترجم كلام الشيخ: أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا, فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدك كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام بعد أن عاهدونا, وأنت عاهدت فغدرت, وقلت فما وفيّت
وجرع مع ابن تيمية وغازان أمور قام بها ابن تيمية كلها لله, ثم قرب غازان إلى الوقد طعاما فأكلوا إلا ابن تيمية فقيل له: ألا تأكل؟
فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتوه من أغنام الناس وطبختوه بما قطعتم من أشجار الناس؟
وغازان مصغٍ لما يقول الشيخ شاخص إليه لا يعرض عنه, وإن غازان من شدة ما أوقع في قلبه من الهيبة والمحبة قال سألأ من هذا الشيخ؟ إني لم أر مثله, ولا أثبت قلبا منه, ولا أوقع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أعظم انقيادا لأحد منه
فأخبر بحاله, وما هو عليه من العلم والعمل. ثم طلب منه غازان الدعاء.
فقام الشيخ يدعو فقال اللهم إن كان عبدك هذا يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك, فانصره وأيّده, وملّكه البلاد والعباد, وإن كان قد قام رياء وسمعة وطلبا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا ليذل الاسلام وأهله فاخذله وزلزله ودمّره واقطع دابره, وغازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه. قال البالسي: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفا من أن نتلوّث بدم ابن تيمية اذا أمر بقتله, فلما خرجنا من عنده قال قاضي القضاة نجم الدين وغيره
كدت تهلكنا وتهلك نفسك, والله لا نصحبك من هنا, فقال: وإني والله لا أصحبكم
قال البالسي: فانطلقوا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه, فتسامعت به الخواتين والأمراء وأصحاب غازان فأتوه يتبرّكون بدعائه وهو سائر إلى دمشق, ووالله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه
وكنت أنا من جملة من كان معه, وأما أولئك الذين أبوا أ، يصحبوه, فخرج عليهم جماعة من التتار فشلحوهم- أي سلبوهم ثيابهم وما معهم-.
ـ[معاذ بن ابراهيم]ــــــــ[14 - 07 - 2010, 07:19 م]ـ
بين الفضيل بن عياض والرشيد عليهما الرحمة
قال الفضيل بن الربيع: كنت بمنزلي ذات يوم وقد خلعت ثيابي وتهيأت للنوم, فإذا بقرعٍ شديدٍ على بابي, فقلت في قلق: من هذا؟
قال الطارق: أجب أمير المؤمنين, فخرجت مسرعا أتعثر في خطوي, فإذا بالرشيد قائما على بابي وفي وجهه تجهّم حزين, فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ لأتيتك
فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيء أطار النوم من أجفاني وأزعج وجداني شيء لا يذهب به إلا عالم تقي من زهادك, فانظر لي رجلا أسأله, فقولت له الفضيل بن عياض
فقال: امض بنا إليه, فأتيناه, وإذا هو قائم يصلي في غرفته وهو يقرأ قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
فقال الرشيد: إن انتفعنا بشيء فبهذا
فقرعت الباب
فقال الفضيل: من هذا؟
قلت: أجب أمير المؤمنين
فقال: ما لي ولأمير المؤمنين
فقلت: سبحان الله, أما عليك طاعته؟
فنزل ففتح الباب, ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج, ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة, فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشيد كفي إليه
فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله تعالى غدا
: فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي
فقال الرشيد: خذ فيما جئناك له يرحمك الله
¥