النية محلها القلب، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة أو الصوم أو الحج أو الوضوء أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعاً قائلاً في دين الله ما ليس منه.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ويصلي ويتصدق ويصوم ويحج ولم ينطق بالنية وذلك لأن النية محلها القلب.
والله عز وجل يعلم ما في القلب ولا يخفى عليه شيء كما قال تعالى في الآية التي ساقها المؤلف: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويجب على الإنسان أن يخلص النية لله في جميع عباداته، وأن لا ينوي بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة.
وهذا هو الذي أمر الله به في قوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} أي مخلصين له العمل.
وينبغي أن يستحضر النية في جميع العبادات.
فينوي مثلاً الوضوء وأنه توضأ لله وأنه توضأ امتثالاً لأمر الله.
فهذه ثلاثة أشياء: 1 - نية العبادة.
2 - ونية أن تكون لله.
3 - ونية أنه قام بها امتثالا لأمر الله.
هذا أكمل شيء في النية كذلك في الصلاة وفي كل العبادات.اه.
قال ابن علان في دليل الفالحين
والنية واجبة أول كل فعل شرعي لتوقف صحته عليها، ودوام استحضارها إلى آخره سنة محبوبة، وأما التروك كترك نحو الزنى فلا يتوقف عليها، نعم لا بد في حصول الثواب من قصد الترك على وجه الامتثال، وإنما وجبت النية في الصوم مع أنه من باب التروك لأنه ملحق بالأفعال إذ القصد منه قمع النفس عن معتاداتها وقطعها عن عاداتها
قال المصنف:
قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} وقال تعالى {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وقال تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله}
أما قوله تعالي
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}
فقال الطبري
يقول تعالى ذكره: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين; يقول: مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك، فأشركت اليهود بربها بقولهم إن عُزَيرا ابن الله، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك، وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القشيري
{مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي موحِّدين لا يُشرِكون بالله شيئاً؛ فالإخلاصُ أَلاَّ يكونَ شيءٌ من حركاتك وسَكَنَاتك إلاَّ لله
ويقال: الإخلاصُ تصفيةُ العملِ من الخَلَلِ.
وقوله تعالي {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}
قال الطبري يقول تعالى ذكره: [لم يصل إلى الله لحوم بدنكم ولا دماؤها، ولكن يناله اتقاؤكم إياه أن اتقيتموه فيها فأردتم بها وجهه، وعملتم فيها بما ندبكم إليه وأمركم به في أمرها وعظمتم بها حرماته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:- حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، في قول الله: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) قال: ما أريد به وجه الله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) قال: إن اتقيت الله في هذه البُدن، وعملت فيها لله، وطلبت ما قال الله تعظيما لشعائر الله ولحرمات الله، فإنه قال: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) قال (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) قال: وجعلته طيبا، فذلك الذي يتقبل الله. فأما اللحوم والدماء، فمن أين تنال الله؟ وقوله: (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ) يقول: هكذا سخر لكم البُدن
قال ابن كثير يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا، لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه.
وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابتنهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا}
¥