تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو حضارية أو أخلاقية لقيادة العالم وإن كان لها من المدنية والتكنولوجيا قدر كبير ولكن تلك أدوات لا تصلح للقيادة إلا إذا وضعت في يد أمينة تحسن استعمالها لا يد بلطجي قاطع طريق تولى الأمر في ظل غياب النبوة المعزولة حتى إشعار آخر عن قيادة البشرية، والصراع الديني بين طوائف النصارى فرعا عن اختلافهم العميق في ربهم، وخلافاتهم الكنسية معروفة مشهورة حتى صار القول باجتماع عشرة منهم وانصرافهم على أحد عشر قولا في تفسير مقالتهم مضرب المثل في الاختلاف كما ذكر ذلك أمثال ابن تيمية، رحمه الله، في "الجواب الصحيح" وابن القيم، رحمه الله، في "هداية الحيارى"، فهي خلافات تصل إلى حد التكفير والتقتيل ولا زالت آثارها عالقة في الأذهان وماثلة في الأعيان إلى يوم الناس هذا فالخلافات العميقة بين الإنجيليين وبقية طوائف البروتستانت فهم الطائفة الأشد تطرفا وهمجية والخلافات بين البروتستانت الإصلاحيين والكاثوليك المحافظين إن صح أن فيهم محافظين بعد الفضائح الأخيرة!، والخلافات بين الكاثوليك والأرثوذكس خلافات تاريخية ترجع إلى زمن قسطنطين ومجمعه الكنسي المنعقد في نيقية وما تلا ذلك من تقرير قانون الإيمان الكاثوليكي واضطهاد مخالفيه لا سيما الأرثوذكس وقد رأينا طرفا من هذا الخلاف العميق في حرب البلقان الأخيرة بين الأرثوذكس الصرب والكروات الكاثوليك مع اجتماعهما عند الضرورة لتصفية الإسلام: العدو المشترك في أرض البلقان، وتلك أمثلة فالخلاف واسع لا راتق له وهو ما زال في ازدياد فرعا عن ضلالهم الأول في الرب المعبود جل وعلا وذلك راجع إلى مناقضة العقيدة النصرانية لقياس العقل الصريح بل لأبجديات العلم الضروري الذي لا يحتاج إلى استدلال أو تقرير فمقالتهم تنقض ذلك نقضا فلا يكاد يتفق اثنان على تأويل لتلك المقالة يجعلها أقرب إلى التصور العقلي فضلا عن أن يكون لها وجود حقيقي فغايتها أن تكون فرضا عقليا لمحال لا تأتي به نبوة ولا ينزل به كتاب فتتباين التأويلات المسوغة له فكل يحاول تقريبه إلى عقله بالتأويل الذي يروق له فتتعدد التأويلات والمقالات تبعا لذلك وهذا ملمح أصيل آخر من ملامح الديانة النصرانية في ثوبها الكنسي البالي بعد تبديل دين المسيح الصحيح، فتلك الصراعات الدينية صورة أخرى من صور التسامح مع الآخر التي يبديها النصارى مع مخالفيهم ولو كانوا نصارى مثلهم!، فكيف بمن دونهم من المسلمين الذين سطعت شمس دينهم في العالم القديم فآمن الشرق والغرب، ولا زالت مقالتهم الأكثر ذيوعا، والأوسع انتشارا لملاءمتها لصحيح النقل من النبوات المحفوظة وصريح العقل، فلا دين يلبي احتياجات الإنسان الروحية والعقلية كالدين الخاتم فهو دين الفطرة الأولى: دين الأنبياء عليهم السلام، دين: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)، دين: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، ولا يروق ذلك كما تقدم لباباوات وبطاركة وأساقفة الكنائس الذين صيروا أنفسهم طواغيت يغلو فيها الأتباع برسم الأبوة الكاذبة، فهي أبوة تستبيح الأعراض حتى طال ذلك القصر!، وفضائح الآباء مع أبنائهم ذكورا كانوا أو إناثا في الكنائس أمر يعرفه كل من له نوع اطلاع على طبيعة العلاقة بين القس ورعايا كنيسته، وهو أمر قد أشار إليه علماء المسلمين الأوائل لا سيما من تصدى لمناظرتهم فاطلع على جملة من أحوالهم كابن حزم، رحمه الله، الذي جاور نصارى إسبانيا الكاثوليك وكان له معهم مناظرات معروفة مشهورة، وذلك التسلط على الأبدان والأعراض والأموال أمر قد شابههم فيه كثير من رءوس المقالات الحادثة في دين الإسلام، لا سيما من شاركهم طريقة الغلو في الأئمة أو الشيوخ، فللرأس على أتباعه الطاعة العمياء التي تصل إلى حد الاستباحة للأعراض، وهو أمر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير