تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإشارة إلى انبعاث موجات كهرومغناطيسية من القلب والمخ معا، ولكن الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من القلب يمتد تأثيرها في دائرة قطرها ثلاثة أمتار، وهي تحيط بالإنسان إحاطة الكرة بمحتواها، وأما الموجات الصادرة من المخ، فهي، وإن كان لها دور في عملية المعرفة، إلا أنه أقل بكثير من دور الموجات الصادرة من القلب، فموجات القلب تزيد في قوتها على قوة موجات المخ بخمسة آلاف ضعف، وهو فارق ضخم يبين عظم دور القلب في عملية التفكير، وهو في نفس الوقت شاهد جديد من شواهد الإعجاز العلمي الطبي في الكتاب العزيز.

وبه يفسر ما يقع بين البشر من تجاذب أو تنافر بمجرد الرؤية البصرية، وإن لم يكن ثم سابق تعارف، فإن الإنسان قد يرى شخصا فيحبه للوهلة الأولى، وإن لم يعرفه من قبل، وقد يرى آخر فيكرهه ابتداء وإن لم يعرفه، أيضا، من قبل، وربما كانا صالحين ولكنهما يتنافران في الطباع كما يقع بين كثير من الأزواج فيكون كلاهما على خير ومع ذلك تستحيل العشرة بينهما، فالأرواح جنود مجندة، ومن تعارفها وتناكرها: التفاعل الإيجابي بين المجالات الكهرومغناطيسية للقلوب، فيتفاعل قلب فلان مع قلب فلان تفاعلا إيجابيا بناء فيقع التعارف والتآلف، ويتفاعل قلب فلان مع قلب فلان تفاعلا سلبيا هداما فيقع التناكر والتنافر، وسبحان مصرف القلوب بالحب والبغض، ومهيئ الأسباب الكونية لذلك، فيصرف القلوب هداية أو ضلالا، حبا أو بغضا، بأمره الكوني النافذ، فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وكلماته.

فليس الأمر تفسيرا ماديا للغيب، على طريقة الغلاة من العقلانيين، وإنما هو جار مجرى الاستئناس بنتائج الأبحاث العلمية في تعضيد الحقائق الشرعية الثابتة ابتداء بخبر النبوة الصادق، فمرد الأمر في هذا الباب إلى الوحي فهو المصدر الوحيد للغيب الصحيح، فالعقل في باب الشرعيات لا سيما الخبريات العلمية: لا يدرك من الغيب إلا ما أوقفه النقل الصحيح عليه، فتتعاضد دلالة المتبوع وهو: النقل الصحيح، والتابع وهو: العقل الصريح لتقرير الحقيقة الشرعية الثابتة بأصح إسناد، والموافقة لأصح قياس، فلا تتعارض أخبار الوحي مع معايير العقل الصريح، فهما، كما تقدم في مواضع سابقة، من واحد قد صدرا، فصدر النقل من الرب، جل وعلا، نطقا، على الوجه اللائق بجلاله، وصدر العقل منه، جل وعلا، خلقا، فالكلام والخلق، كلاهما، من وصف كماله، ولا يتصور وقوع التعارض بين صفات الكامل من البشر على نحو يقع به الاضطراب في فعله، فإذا انتفى ذلك في حق الكامل من البشر، فانتفاؤه في حق الرب، جل وعلا، وله الكمال المطلق، انتفاؤه في حقه تبارك وتعالى: ثابت من باب أولى.

والعقل من وجه آخر يعمل بأمر الإرادة فيقوم بمعالجة المادة التي يستقبلها من القوى الباطنة من النوازع النفسانية والهواتف الخفية: الملكية أو الشيطانية، ومن القوى الظاهرة من مدركات الحس الظاهر من المبصرات والمسموعات والمنطوقات والمشمومات والمحسوسات، وتلك المعالجة إنما تجري تبعا لميول صاحب الإرادة:

فإن كانت ميوله شرعية فإرادته صحيحة فتجري تلك المعالجة على وجه شرعي يحصل به تمام الانتفاع فلا يسمع إلا خيرا، ولا يبصر إلا خيرا، ولا يسلك أي مسلك عملي إلا طلبا لمرضاة الرب، جل وعلا، فهو مسدد في أفعاله، فله من حديث: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"، أوفر نصيب، فقد وافقت إرادته إرادة الشرع، وذلك من فضل الرب، جل وعلا، عليه، فصار مسددا في باطنه بالعلم النافع الذي ولد في قلبه تصورا صحيحا للحياة فتولد منه، بدوره، إرادات شرعية نافعة، سار العقل على منهاجها فمعالجته لكافة البيانات التي يستقبلها: معالجة شرعية يظهر أثرها على الجوارح أعمالا صالحة، فتلك السلسلة الذهبية التي لا سقط في إسنادها ولا ضعف في حلقاتها، فعلم شرعي نافع مصدره

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير